أي يا أيها المؤمنون (١) إذا عامل بعضكم بعضا (بِدَيْنٍ) معطيا أو آخذا (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) أي معلوم الأول والآخر ، احتراز عن الحصاد والدياس لعدم (٢) التسمية (فَاكْتُبُوهُ) أي دين المديون بالأجل والإشهاد ، وإنما أمر بكتبة (٣) الدين كذلك ، لأنه أبعد من الإنكار وآمن من النسيان ، قيل : «هذا كان فرضا ثم نسخ بقوله (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً)(٤) الآية» (٥) وقيل : هو أمر ندب ثابت (٦) ، ثم بين كيفية الكتابة فقال (وَلْيَكْتُبْ) أي كتاب الدين (بَيْنَكُمْ) أي بين الخصمين (٧) من البائع والمشتري (كاتِبٌ بِالْعَدْلِ) أي بالحق متعلق بقوله «فليكتب» ، يعني بالاحتياط والسوية لا يزيد على ما يجب أن يكتب ولا ينقص وعنه ، قيل : فيه إشارة إلى أن يكون الكاتب عالما بالشرط ليجيء مكتوبه معدلا بالشرع (٨)(وَلا يَأْبَ) أي لا يمتنع (كاتِبٌ) من الكتابة (٩)(أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللهُ) أي مثل ما علمه كتابة الوثائق لا يبدل ولا يغير ، وهو نهي عن الامتناع من الكتابة المقيدة بالوصف الذي يجيء ذكره ، ثم قال للكاتب (فَلْيَكْتُبْ) تلك الكتابة المقيدة تأكيدا ، وبينها بقوله (وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ) أي الدين وعني بالذي المطلوب بالدين ، وهذا أمر بالكتابة المقيدة ، والإملال والإملاء لغتان في معنى واحد ، وهو أن يقول رجل ويكتب آخر ، أي ليملئ على الكاتب ليكتب من عليه حق الدين ، لأنه قوله حجة على نفسه فيكون بالإملاء على الكاتب إقرارا منه لوجوب (١٠) الحق عليه ، ثم خوف المديون المملئ بقوله (وَلْيَتَّقِ) أي المطلوب بالدين (اللهَ رَبَّهُ) في الإملاء (وَلا يَبْخَسْ) أي لا ينقص (مِنْهُ) أي من الحق ، أي الذي وجب عليه (شَيْئاً) ولو كان قليلا (فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ) أي المطلوب بالدين (سَفِيهاً) أي جاهلا بالإملاء (أَوْ ضَعِيفاً) عن الإملاء بكونه صبيا أو هرما أو أخرس أو مجنونا فيعجز عنه (أَوْ لا يَسْتَطِيعُ) أي لا يقدر (أَنْ يُمِلَّ) أي يملئ (هُوَ) بنفسه لعي فيه أو لعذر لا يمكنه (١١) حضور الكاتب (فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ) أي ولي من عليه الحق ، وهو القيم على أمره من وكيل أو وصي أو غيرهما ممن يترجم عنه وهو يصدقه ، وقيل : وليه صاحب الدين ، لأنه أعرف بحقه (١٢)(بِالْعَدْلِ) أي بالصدق والسوية (وَاسْتَشْهِدُوا) أي اطلبوا على حقكم (شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ) أي من أهل دينكم ، يعني من الأحرار البالغين العاقلين المسلمين يشهدان (١٣) على الدين ، ولا تجوز شهادة العبد في شيء عند عامة العلماء ولا شهادة الكافر إلا عند أبي حنيفة رضي الله عنه ، فانه جوز شهادة الكافر بعضهم على بعض (فَإِنْ لَمْ يَكُونا) أي الشاهدان (رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ) أي فليكن للشهادة رجل (وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ) في ديانته وأمانته وشهادة النساء مع الرجال في الأموال جائزة بالإجماع ، قوله «ممن ترخصون» في محل الرفع صفة «رجل وامرأتين» (أَنْ تَضِلَّ) بفتح (أَنْ) المصدرية ، أي لأن تنسي وبكسر (١٤) «إن» الشرطية ، أي إن نسيت (إِحْداهُما) أي إحدى المرأتين الشاهدتين (فَتُذَكِّرَ) بالرفع والتشديد والتخفيف (١٥) من التذكير والإذكار جواب الشرط فهي تذكرها (١٦)(إِحْداهُمَا الْأُخْرى) والجملة الشرطية في محل الرفع صفة ثانية ل «رجل وامرأتين» ، ومعنى الشرطية إن نسيت إحديهما الشهادة فهي ، أي فالشهادة تذكرها (إِحْداهُمَا الْأُخْرى) ف «إحديهما» فاعل و «الأخري» مفعول ثان (١٧) ل «تذكر» ، فيكون المبتدأ مع العائد محذوفا ، وقرئ بنصب «تذكر» عطفا (١٨) على
__________________
(١) يا أيها المؤمنون ، ب م : الذين آمنوا ، س.
(٢) لعدم ، ب س : بعد ، م.
(٣) بكتبة ، ب م : لكتبة ، س.
(٤) البقرة (٢) ، ٢٨٣.
(٥) عن الشعبي ، انظر البغوي ، ١ / ٤٠٨.
(٦) أخذه عن البغوي ، ١ / ٤٠٨.
(٧) الخصمين ، ب س : خصمين ، م.
(٨) نقله المفسر عن الكشاف ، ١ / ١٥٦.
(٩) الكتابة ، م : الكتاب ، س ، ـ ب.
(١٠) لوجوب ، ب م : بوجوب ، س.
(١١) لا يمكنه ، ب م : لا يمكن ، س.
(١٢) اختصره من البغوي ، ١ / ٤٠٩.
(١٣) يشهدان ، ب س : فيشهدان ، م.
(١٤) «أن تضل» : قرأ حمزة بكسر الهمزة ، والباقون بفتحها. البدور الزاهرة ، ٥٧.
(١٥) «فتذكر» : قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب باسكان الذال وتخفيف الكاف مع نصب الراء ، والباقون بفتح الذال وتشديد الكاف مع نصب الراء إلا حمزة فبرفعها. البدور الزاهرة ، ٥٧.
(١٦) فهي تذكرها ، ب س : فهي تذكر ، م.
(١٧) ثان ، ب م : ثاني ، س.
(١٨) عطفا ، س : عطف ، ب م.