أما الأصل الذي يرجع إليه في المتشابه والمحكم ، فقد جعله قول الله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ) الآية [آل عمران : ٧] ، (١) فكل من أوّل متشابها لابتغاء فتنة من البدعة والضلالة ، يكون ضمن هذه الآية ، فيكون زائغ القلب ، مبتعدا عن الحق.
ويستشهد بحديث عن النبي صلىاللهعليهوسلم الذي يقول فيه : «إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه ، فأولئك الذين سمّاهم الله فاحذروهم». وقول لمحمد بن إسحق بن خزيمة عند ما سئل عن الكلام الأسماء والصفات ، فقال : بدعة ابتدعوها ، ولم يكن أئمّة المسلمين من الصحابة والتابعين وأئمّة الدّين يتكلّمون في تلك ، وكانوا ينهون عن ذلك ، ويدلّون أصحابهم على الكتاب والسّنّة. (٢)
وفي موضع آخر وفي تفسيره لقول الله تعالى : (أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِ) [الأعراف : ١٨١] ، يتحدث عن تفسير السنة ، فيقول : «أن يسلكوا طريق السلف في كراهة الكلام ، والجدال في الدين ، والتعسف في تأويل متشابه كلام رب العالمين ...» (٣). مما يدل أنه يميل في تفسيره إلى عدم التفصيل في المسائل العقدية التي تتحدث عن كلام الله تعالى ، وكيفيته وصفته إلى غير ذلك. وهذا ملاحظ في تفسيره رحمهالله تعالى.
وعند تفسيره قول الله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ) [الحج : ٧٣] ، يصفها بأنها متشابهة ، يجب التماس حكمها من المحكمات (٤). ولم يحدد المحكمات ، ولم يفصل القول في معنى الآية.
وفي تفسير (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَ) [النور : ٣١] ، يقول : «من المتشابه المختلف في تأويله». وكذلك (التابعون) في الآية نفسها. (٥)
وفي تفسيره قول الله تعالى : (وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [النحل : ٤٤] يقول : «يدلّ : أنّ فيه ما يعلم بالتفكير والتدبر ، فأما ما لا يعلم تأويله إلا الله ، فذلك جنس ثالث ، وقد بين ذلك في أثناء المحكمات على طريق الإجمال دون اليقين ، وما يعلم معناه عند ورود الخطاب من غير توقيف ولا تفكر جنس رابع ، وهو الحجة على جميع العقلاء» (٦).
فقسم آيات القرآن الكريم بهذا إلى ثلاثة أقسام :
الأول : ما يعلم بالتفكير.
الثاني : ما يعلم بالتدبر.
الثالث : الذي لا يعلم تأويله إلا الله تعالى ، فهذا الجنس الثالث هو المتشابه ، الذي ذكر في قوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ
__________________
(١) ينظر : الأصل (٦١ ظ).
(٢) ينظر : الأصل (٦١ ظ).
(٣) الأصل (١٢٨ و).
(٤) درج الدرر ٣١٤.
(٥) درج الدرر ٣٤٠.
(٦) درج الدرر ١٢٢.