المعنى .. ولقد أرسلنا إلى قبيلة مدين شعيبا ، نبيّا فيهم ، وهو من أشرفهم ـ فقال : يا قوم اعبدوا الله وحده ، ولا تشركوا به شيئا ، ما لكم من إله غيره ، هو الذى خلقكم ، وخلق كل شىء لكم ، قد جاءتكم بينة من ربكم وآية دالة على صدقى ، فأوفوا الكيل إذا كلتم ، وزنوا بالقسطاس المستقيم ، ولا تنقصوا الناس شيئا من حقوقهم فى بيع أو شراء ، أو حقّ مادى أو معنوى.
أمرهم شعيب بالوفاء فى الكيل والوزن ، ونهاهم عن نقص الناس شيئا من حقوقهم بعد الأمر بعبادة الله مباشرة ، وذلك لأن هذه الخصلة كانت فاشية فيهم. فقد كانوا من المطففين ، الذين إذا اكتالوا على الناس وأخذوا حقهم يستوفون ، وإذا كالوهم وباعوا إليهم شيئا ينقصون ويبخسون ، وهذا مرض نفسى ، وداء إذا تفشى فى أمة قضى عليها وأزال ملكها وعزّها.
وقال شعيب : يا قوم ـ لا تفسدوا فى الأرض بأى نوع من أنواع الفساد ، كالظلم والرشوة ، وأكل أموال الناس بالباطل ، وارتكاب الإثم والفواحش ، وإفساد المجتمع لشيوع الانحلال الخلقى. ولا تفسدوا فى الأرض بعد إصلاحها ، وقد أصلحها الله بما فطر الناس على حب الخير ، وبما أودع فيهم من الميل إلى الرشاد ، وبما أرسل فيهم من الرسل والهداة والمرشدين ، فعليكم ألا تفسدوا فيها بالبغى والعدوان على الأنفس والأموال والعقول والأعراض ، ذلكم الذى أتيتكم من أجله ، هو خير لكم فى الدنيا والآخرة ، وهو مجلبة للسعادة فى الدارين ، إن كنتم مؤمنين حقّا بى وبرسالتى.
وهكذا العلم وحده لا ينفع فى قمع النفس وردّها عن البشر بل لا بد معه من إيمان قلبى ، وتصديق روحى خالص ، ومخالفة للنفس والهوى.
وقوله : (يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) هذه دعوة الرسل كلهم ، قد جاءتكم بيّنة من ربكم ، أى قد أقام الله الحج والبينات على صدق