ومضمون كلام القاضى عبد الجبار ، أن ثمة من الناس ، من يرى أن القرآن للتلاوة ، والتعبّد بتلاوته وقراءته فى الصلاة ، كما يفعل الأعاجم ، الذين لا يعرفون العربية ، وإنه يسوق الأدلة لبطلان هذا القول ، فيقول :
«وبيّن شيوخنا أنه لو لم يكن له معنى لا يكون معجزا ، لأن إعجازه هو بما يحصل من المزيّة والرتبة فى قدر الفصاحة ، ولا يكون الكلام فصيحا إلا بحسن معناه وموقعه واستقامته ، كما لا يكون فصيحا إلا بجزالة لفظه ، ولو أن واحدا من المتكلمين ألّف من الكلام المهمل جملة ، وتكلم بها فى غير مواضعة لم يعد من الكلام الفصيح ، كما لو كان فى معناه ركاكة لم يكن منه ، وكما لو ركّ لفظه لم يعد فى ذلك ، فكيف لمن أقرأنه معجز ، أن يزعم أنه لا معنى له ، وأنه لا فائدة منه» (١)
فهذا الكلام يدل على أنه يوجد من يقول : إن القرآن لا يطلب معناه ، وأن القصد منه التعبد بالتلاوة فى الصلاة ، وخارج الصلاة.
ويبدو أن الذى دفع هؤلاء إلى ذلك القول : ـ إن صحّ نقله ـ أنهم يتوقّفون خشية أن ينحرف بهم الفكر ، فيصرفوا معانى القرآن إلى غيرها لانحراف فى التفكير ، أو تزيّد عليه ، فرأوا أن يكتفوا بالتلاوة والتعبد بها ، واقفين عند ذلك الحدّ ، حتى لا يقولوا على الله بغير علم.
ومهما يكن من أمر ، فإن ذلك الرأى مرفوض تماما ولا يؤخذ به.
إن الذى لا شك فيه ، أن القرآن العظيم ، مقصود بمعانيه ، وبتلاوته ، وترطيب الأسماع به ، وبالتعبد به وبألفاظه ، فكل ما اشتمل عليه مقصود لذاته ، لا بالتبعيّة لغير ، فهو مأدبة الله تعالى ، فإذا كان ذلك كذلك ـ فما مكان التفسير فى ذلك؟ لأن التفسير لا يكون إلا عند الحاجة للتبيين ، والقرآن الكريم
__________________
(١) المغنى ١٦ / ٣٥٧