وكان الحارث أشدّهما عليه وأسوأهما قولا فيه ، فحلف عيّاش بالله لئن قدر عليه ليضربنّ عنقه ، فلمّا رجعوا إلى مكّة مكثوا حينا ، ثمّ هاجر النّبيّ صلىاللهعليهوسلم والمؤمنون إلى المدينة ، فهاجر عيّاش وأسلم وحسن إسلامه.
ثمّ إنّ الله تعالى وفّق الحارث بن هشام فهاجر إلى المدينة وبايع النّبيّ صلىاللهعليهوسلم على الإسلام ، ولم يحضر عيّاش ، فلقيه عيّاش يوما بظهر قباء ولم يعلم بإسلامه ، فضرب عنقه يظنّ أنّه كافر ، فقيل له : إنّه قد أسلم ، فندم واسترجع وبكى ، ثمّ أتى النّبيّ صلىاللهعليهوسلم فأخبره بذلك ، فأنزل الله تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً)(١).
ومعنى الآية : ومن الناس من يقول آمنّا بالله ، فإذا عذّب في طاعة الله جعل تعذيب الناس كتعذيب الله ، فأطاع الناس خوفا منهم ، كما يطيع الله من خاف عذابه.
قوله : (وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ ؛) أي إذا جاء فتح من ربك (لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ) وهذه صفة المنافقين ، يقول الله تعالى : (أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ) (١٠) ؛ أي بما في قلوب الخلق من الطّمأنينة بالإيمان والانشراح بالكفر ، (وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا ؛) أي ليجزي الله المؤمنين ، (وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ) (١١) ؛ وليميّزنّ المنافقين.
قوله : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا ؛) معناه : قال كفار مكّة أبو جهل وغيره ، لمن آمن من قريش ، واتّبع محمّدا صلىاللهعليهوسلم : إتّبعوا ديننا وملّة آبائنا ، (وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) ، ونحن الكفلاء بكلّ تبعة تصيبكم من الله في ذلك ،
__________________
ـ ومن معه : ج ٢ ص ١١٨.
(١) النساء / ٩٢. في الاستيعاب في معرفة الأصحاب : ج ١ ص ٣٦٧ : ترجمة هشام بن يزيد : الرقم (٤٥٤) ؛ قال ابن عبد البر : (هو الحارث بن يزيد القرشي العامري). وفي الإصابة في معرفة الصحابة : ج ١ ص ٦٠٧ ؛ قال ابن حجر : (أسلم يوم فتح مكة ، ثم حسن إسلامه ، وقال : فلم يزل مجاهدا بالشام حتى ختم الله له بخير). وذكر في ترجمة الحارث بن يزيد بن أنيسة قصة عياش معه وقال : (وقال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل : الحارث بن يزيد هو الذي قتله عياش بن أبي ربيعة بالبقيع بعد قدومه المدينة ، وذلك بعد أحد).