والصغائر والكبائر من الذّنوب تسمّى ظلما ؛ ولذلك قال موسى (إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي)(١). ويقال : إن قوله (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ) استثناء منقطع ، ومعناه : لكن من ظلم ، فإنه يخافني إلّا أن يتوب ويعمل صالحا ، فإنّي أغفر له وأرحمه. والمعنى : إلّا من ظلم نفسه بالمعصية (ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً) أي توبة وندما (بَعْدَ سُوءٍ) عمله (فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) كأنه قال : لا يخاف لديّ المرسلون الأنبياء والتّائبون ، وقال بعضهم : (إِلَّا) هاهنا بمعنى (ولا) كأنه قال : (لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ)(٢).
قوله تعالى : (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ؛) فيه بيان أنّ الله تعالى أعطاه آية أخرى في ذلك المكان ، ومعنى (تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) أي بيضاء لها شعاع من غير برص (٣) ، والجيب جيب القميص.
وقوله تعالى : (فِي تِسْعِ آياتٍ ؛) أظهرها بين الآيتين ، والآيات التّسع : قلب العصاة حيّة ، وجعل يده بيضاء ، وما أصاب فرعون من الجدب في بواديهم ، ونقص الثّمرات في مزارعهم ، وإرسال الطّوفان والجراد والقمّل والضفادع والدّم ، فهذه الآيات التّسع ، قوله تعالى : (إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) (١٢) ؛ أي خارجين عن طاعة الله.
قوله تعالى : (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا ؛) أي فلمّا جاءت فرعون وقومه الآيات التسع ، (مُبْصِرَةً ؛) أي بيّنة واضحة ، (قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) (١٣) ؛ كذبوا بالآيات التسع كلّها ونسبوا موسى إلى السّحر ، (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ؛) أي جحدوا بألسنتهم وأنكروا تلك الآيات ، وعلموا بقلوبهم أنّ تلك الآيات ليست من جنس أفعال السّحر ، وأنّها من الله تعالى ، أي علموا يقينا أنّها من عند الله لكن جحدوا بها تجبّرا وتكبّرا وذلك قوله تعالى : (ظُلْماً وَعُلُوًّا ؛) أي شركا وتكبّرا عن أن يؤمنوا ، (فَانْظُرْ ؛) يا محمّد ، (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) (١٤) ؛ في الأرض بالمعاصي ، كيف أهلكهم الله بالغرق في اليمّ.
__________________
(١) القصص / ١٦.
(٢) ينظر : إعراب القرآن للنحاس : ج ٣ ص ١٣٧.
(٣) (غير) سقطت من المخطوط.