قوله تعالى : (إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ) ، يعني الذين تحزّبوا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم الخندق ، وهم عيينة بن حصن وأبو سفيان بن حرب وبنو قريظة ، (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً) ، وهي الصّبا ، أرسلت عليهم حتى أكفأت قدورهم ونزعت فساطيطهم (١) ، وقوله : (وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها) ، يعني الملائكة ؛ (وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً) (٩).
وروي : أنّ شابّا من أهل الكوفة قال لحذيفة بن اليمان : يا أبا عبد الله هل رأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟ قال : (إي والله لقد رأيته) قال : والله لو رأيناه لحملناه على رقابنا ، وما تركناه يمشي على الأرض ، فقال له حذيفة : (يا ابن أخي أفلا أحدّثك عنّي وعنه؟) قال : بلى. قال : (والله لو رأيتنا يوم الخندق ، وبنا من الجهد والجوع ما لا يعلمه إلّا الله. قام رسول الله صلىاللهعليهوسلم فصلّى من اللّيل ما شاء الله ، ثمّ قال : [ألا رجل يأتي بخبر القوم جعله الله رفيقي في الجنّة؟] فو الله ما قام منّا أحد ممّا بنا من الخوف والجوع والجهد. ثمّ صلّى ما شاء الله ، ثمّ قال : [ألا رجل يأتيني بخبر القوم جعله الله رفيقي في الجنّة؟] فو الله ما قام منّا أحد ممّا بنا من الجهد والخوف والجوع. فلمّا لم يقم أحد ، دعاني فلم أجد بدّا من إجابته ، قلت : لبّيك يا رسول الله ، قال : [اذهب فجئ بخبر القوم ، ولا تحدثنّ شيئا حتّى ترجع].
قال حذيفة : قمت وجنبيّ يضطربان ، فمسح رسول الله صلىاللهعليهوسلم رأسي ووجهي ، ثمّ قال : [اللهمّ احفظه من بين يديه ومن خلفه ، وعن يمينه وعن شماله ، ومن فوقه ومن تحته]. قال : فانطلقت أمشي حتّى أتيت القوم ، وإذا ريح الله وجنوده يفعل بهم ما يفعل ، ما يستمسك لهم بناء ، ولا تثبت لهم نار ، ولا يطمئنّ لهم قدر. فبينما هم كذلك ، إذ خرج أبو سفيان من رحله ، فقال : يا معشر قريش ؛ ما أنتم بدار مقام ، لقد
__________________
ـ الكنى وابن مردويه وأبو الشيخ في العظمة وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس) وذكره. وأخرجه أبو الشيخ في العظمة : الحديث (٦٠ / ٨٦٠).
(١) الفسطاط فيه لغات : فسطاط وفسطاط وفسّاط وفسّاط وفسّاط وفستاط. وهو : بيت من شعر ، ويطلق ويراد به أيضا المدينة التي فيها مجتمع الناس ، وكل مدينة فسطاط. والمراد هنا الأول. ينظر : كتاب الغريبين : ج ٥ ص ١٤٤٧. ومختار الصحاح : ص ٥٠٣.