قوله تعالى : (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) (٣٥) ؛ أي والطف بي وبنيّ لطفا نتجنّب به عبادة الأصنام ، (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ ؛) يعني الأصنام ، وأضاف الإضلال إلى الأصنام وإن لم تكن تفعل شيئا ؛ لأنّهم ضلّوا بعبادتهم. قوله تعالى : (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) أي فمن تبعني على ديني فإنه منّي ومعي ، (وَمَنْ عَصانِي ؛) خالفني في ديني ، (فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٣٦) ؛ أي غفور لذنوبهم ، رحيم بهم.
قوله تعالى : (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ ؛) أي قال إبراهيم : إنّى أسكنت بعض ذرّيتي ، وهو إسماعيل مع أمّه هاجر ، بواد جدب لا ينبت شيئا ، وأراد به وادي مكّة وهو الأبطح. قوله تعالى : (عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ ؛) أي عند المسجد الحرام ، سمّاه المحرّم لأنه لا يستطيع أحد الوصول إلا بالإحرام. وقيل : أراد به حرمة الاصطياد والقتل ، كما روي في الخبر : [أنّ مكّة حرام لا يختلي خلاؤها ، ولا يعضد شوكها ، ولا ينفّر صيدها](١).
وقوله تعالى : (رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ ؛) أي أسكنتهم عند بيتك المحرّم ليقيموا الصلاة بحرم مكّة ، (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ؛) أي تسرع إليهم ، قال مجاهد : (لو قال إبراهيم : أفئدة النّاس ، لزاحمتهم الرّوم وفارس ، ولكن قال : أفئدة من النّاس) ، وقال ابن جبير : (لو قال إبراهيم : أفئدة النّاس ، لحجّت اليهود والنّصارى والمجوس ، ولكنّه قال : أفئدة من النّاس فهم المسلمون) (٢).
وقرئ (تهوى) بنصب الواو من هوى يهوى إذا أحبّ ، إلّا أن القراءة المعروفة بالكسر. قوله تعالى : (وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) (٣٧) ؛ ظاهر المعنى.
__________________
(١) أخرجه البخاري بمعناه في الصحيح : كتاب العلم : الحديث (١٠٤). ومسلم في الصحيح : كتاب الحج : الحديث (٤٤٦ / ١٣٥٤).
(٢) ذكره البغوي في معالم التنزيل : ص ٦٩٠. والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن : ج ٩ ص ٣٧٣.