فإن قيل : قوله تعالى : (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ) عطف على قوله : (فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ ؛) فكيف تكون الصّيحة بعد هلاكهم؟ قيل : إنّ الفاء في قوله : (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ) للتّعقيب والإخبار لا لترادف الحال ، وهذا راجع إلى حال عقرهم الناقة ، لكنّ الله ساق القصّة في أمرهم إلى آخرها ، ثم عطف على ذلك ما فعله صالح للكشف عن عذره في مسألة إنزال العذاب بهم بعد كثرة نصحه لهم وإصرارهم على فعلهم. وجواب إخوانه لا يمنع أنّ صالحا قال هذا القول بعد هلاك القوم ليعتبر بذلك من كان معه من المؤمنين.
فصل : وقصّتهم ما حكاه السّدّيّ وغيره : (أنّ عادا لمّا هلكت عمّرت ثمود بعدها ، واستخلفوا في الأرض ، فنزلوا فيها وكثروا ، وكانوا في سعة من عيشهم ، فعتوا على الله ، وأفسدوا في الأرض وعبدوا غير الله ، فبعث الله إليهم صالحا من أوسطهم نسبا ، فدعاهم إلى الله عزوجل حتى شمط (١) وكبر ولا يتبعه منهم إلا قليل مستضعفون.
فلما ألحّ عليهم في الدّعاء والتّخويف سألوه أن يريهم آية تكون مصداقا لقوله ، فقال لهم : أيّ آية تريدون؟ فأشاروا له إلى صخرة منفردة من ناحية الحجر ، وقالوا له : أخرج لنا من هذه الصّخرة ناقة جوفاء عشراء ، فإن فعلت آمنّا بك وصدّقناك.
فأخذ عليهم صالح عليهالسلام المواثيق ، ففعلوا ، فصلّى ركعتين ودعا ربّه ، فتمخّضت الصخرة تمخّض النّتوج بولدها ، ثم تحرّكت وانصدعت عن ناقة عشراء جوفاء ، كما وصفوا وهم ينظرون ، ثم نتجت سقياء مثلها في العظم ، فلمّا خرجت الناقة قال لهم صالح : هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم.
فمكثت الناقة ومعها سقبها في أرض ثمود ترعى الشّجر وتشرب الماء ، فكانت ترد الماء غبّا ، فإذا كان يومها وضعت رأسها في بئر يقال لها بئر النّاقة ، فما ترفعها حتى قد شربت كلّ ما فيها ، لا تدع قطرة واحدة ، ثم ترفع رأسها فتنفشج كما تنفحج (٢)
__________________
(١) الشمط : بياض شعر الرّأس يخالط سواده.
(٢) التّفحّج والتّفشّج : هو أن يفرّج من رجليه إذا جلس.