سيّئاتهم ويدخلهم الجنّة بحسناتهم. وما جعل الله الطمع في قلوبهم إلّا لكرامة يزيدهم بها.
قوله تعالى : (وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٤٧) ؛ معناه : وإذا نظر أصحاب الأعراف إلى أصحاب النّار ، دعوا الله تعالى واستعاذوا من النّار وقالوا : ربّنا لا تجعلنا مع القوم الظّالمين في النّار ؛ أي يدعون بذلك خوفا من الله لأجل معاصيهم.
قوله تعالى : (وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ) (٤٨) ؛ قال ابن عبّاس : (إنّ أصحاب الأعراف ينادون الكبار من الكفّار الّذين كانوا عظماء في الكفر كالوليد بن المغيرة وأبي جهل وسائر رؤسائهم). يعرفونهم بسيماهم ينادونهم وهم على السّور : يا وليد ابن المغيرة! يا أبا جهل بن هشام! يا فلان ابن فلان ؛ ما أغنى عنكم جمعكم في الدّنيا من المال والولد ، وما كنتم تستكبرون ؛ أي تتعظّمون عن الإيمان بالله عزوجل.
ثم ينظرون إلى الجنّة ؛ فيرون فيها الضعفاء والمساكين ممّن كان يستهزئ بهم كفار مكّة ؛ مثل صهيب وخبّاب وعمّار وسلمان وبلال وأشباههم ، فينادون : (أَهؤُلاءِ ؛) الضعفاء هم ، (الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ ؛) أي حلفتم أيّها المشركون وأنتم في الدّنيا ، (لا يَنالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ ؛) يا من أقسمتم لا يدخلهم الله الجنّة. قال ابن عبّاس : (فيقول الله تعالى لأصحاب الأعراف : (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) (٤٩)).
فإن قيل : كيف يصحّ هذا التأويل في الحجاب بين الجنّة والنار ؛ ومعلوم أنّ الجنة في السّماء والنار في الأرض؟ قيل : لم يبيّن الله حال الحجاب بالمذكور في الآية ، ولا قدر المسافة ، فلا يمتنع أن يكون بين الجنّة والنار وإن بعدت المسافة.
وقرأ بعضهم : (وما كنتم تستكثرون) بالثّاء ؛ أي تجمعون المال الكثير. وقال مقاتل في تفسير هذه الآية : (إذا قال أصحاب الأعراف لأصحاب النّار : ما أغنى عنكم جمعكم. قال لهم أصحاب النّار : وأنتم ما أغنى عنكم جمعكم ، وأقسموا لتدخلنّ النّار معنا).