أَفَبِهَـٰذَا الْحَدِيثِ أَنتُم مُّدْهِنُونَ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ)(١).
ففي الآية قد عظّم الله تعالى القَسَم فيها بوجوه عديدة لا تخفى على المتأمل في تركيب ألفاظ الآية التي قد تربو على سبعة وجوه، كلّ ذلك لتأكيد القضية التي أراد القَسَم عليها. ثم أكّد القضية بوجهين آخرين أيضاً مما يدلّ على أنّ القضية خبرية وليست إنشائية، والمخبر به هو كون القرآن ذو حقيقة تكوينية مكنونة عِلْوية، وأنّ المصحف المنقوش بين الدفتين تنزيل لتلك الحقيقة من دون تجافي تلك الحقيقة التكوينية المحفوظة في كِنّ القرآن عن موقعها العِلْوي، وأنّ تلك الحقيقة لا يصل إليها ولا يدركها إلّا المطهّر في شرع الإسلام.
والكتاب المكنون هذا الذي فيه حقيقة القرآن قد وصف في سورة الأنعام بأنه الذي يُستطر فيه كلّ رطب ويابس، وفيه ما من غائبة كما في قوله تعالى: (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ)(٢).
__________________
(١) الواقعة/ ٧٩ ـ ٨١.
(٢) الأنعام/ ٥٩.