يدي من شدّة البرد وكنت لا أشعر به.
وهكذا كانت الأحوال إلى ثلاث سنوات. فشرعت في تأليف مفتاح اللّبيب على شرح التهذيب في علم النحو ، ومتنه من مصنّفات شيخنا بهاء الدين محمّد تغمّده الله برحمته. وكتبت في ذلك الوقت شرحا على الكافية.
فقرأت علوم العربيّة عند رجل فاضل من أهل البغداد ، والأصول عند رجل محقّق من أهل الأحساء ، والمنطق والحكمة عند المحقّقين المدقّقين شاه أبي الوليّ وميرزا إبراهيم ، وعلم القراءة عند رجل فاضل من أهل البحرين. وكنّا جماعة نقرأ عند الشيخ الجليل الشيخ جعفر البحرانيّ. وكنت أنا أسمع ذلك الدرس بقراءة غيري. فإذا أتينا إلى ذلك الشيخ ، فكلّ من يجلس قبل يقول له : اقرأ ، حتّى يجلس القارئ. وكان يشجّعنا على الدرس وعلى فهم معناه من المطالعة ويقول لنا : إنّ الأستاد إنّما هو للتيمّن والتبرّك ، وإلّا ففهم الدرس وتحقيق معناه إنّما هو من مطالعة التلميذ.
وقد اتّفق أنّه جاءنا خبر فوت جماعة من أعمامنا وأقاربنا ، فجلسنا ذلك اليوم في عزائهم وما رحنا إلى الدرس. فسأل عنّا وقيل له : إنّهم أهل مصيبة. فمضينا إلى الدرس اليوم الثاني ، فلم يرض أن يدرّسنا وقال : لعن الله أبي وأمّي إن درّستكم! كيف ما جئتم أمس إلى الدرس؟ فحكبنا له ، فقال : كان ينبغي أن تجيئوا إلى الدرس فإذا أقرأتموه انصرفتم إلى عزائكم. هذا أبوكم يأتيكم أيضا خبر فوته فتقطعون الدرس. فحلفنا له أنّا لا نقطع الدرس يوما واحدا ولو أصابنا ما أصابنا ، فقبل أن يدرّسنا بعد مدّة.
واتّفق أنّنا كنّا نقرأ عنده في أصول الفقه في شرح العميديّ ، فاتّفقت فيه مسألة لا تخلو من إشكال ، فقال لنا ـ ونحن جماعة ـ : طالعوها هذه اللّيلة. فإذا أتيتم غدا ، فكلّ من عرفها يركب صاحبه ويحمله من هذا المكان إلى ذلك المكان. فلمّا أتينا إليه غدا وقرّر أصحابي تلك المسألة ، قال لي : تكلّم أنت. فتكلّمت. فقال : هذا هو الصواب. وكلّ ما قاله الجماعة غلط. فقال لي : أمل عليّ ما خطر بخاطرك حتّى أكتبه حاشية على كتابي. فكنت أنا أملي عليه