القسم الثاني : أن يدّعي رقَّ اللقيط ولا بيّنة.
ولنقدّم عليه مقدّمةً ، وهي : إنّ كلّ مَن ادّعى رقّيّة صغيرٍ في يده ولا تُعلم حُرّيّته ، فإنّه تُسمع دعواه ؛ لإمكانها إذا كانت غير اليد التي عرفنا استنادها إلى التقاط المنبوذ.
فإن كانت اليد هي يد اللقطة ، لم يُحكم برقّه ، وكان الحكم الأصل فيه الحُرّيّة ـ وهو أصحّ قولَي الشافعي (١) ـ ويحتاج الملتقط في دعوى الرقّيّة إلى البيّنة ؛ لأصالة الحُرّيّة ، فلا يخالف بمجرّد الدعوى.
والثاني للشافعي : إنّه يُقبل قول الملتقط ، ويُحكم له بالرقّ ، كما في يد غير الالتقاط ، وكما لو التقط مالاً وادّعى أنّه لا منازع له فيه ، فإنّه يُقبل قوله ، ويصحّ شراؤه منه (٢).
والفرق ظاهر ؛ فإنّ اليد إذا كانت عن الالتقاط ، يُعرف حدوثها لا بسبب الملك ؛ لما بيّنّا من أصالة الحُرّيّة ، ولم تظهر يد تدلّ على خلافها ، وأمّا يد غير اللقطة فإنّها تقضي بالملكيّة ؛ لأنّ الظاهر أنّ مَنْ في يده شيء وهو متصرّف فيه تصرّفَ السادات في العبيد فإنّه ملكه ، ولم يُعرف حدوثها بسببٍ لا يقتضي الملك ، وأمّا المال الملقوط فإنّه يُحكم للملتقط به إذا ادّعى ملكيّته ؛ لأنّ المال في نفسه مملوك ، وليس في دعوى ملكيّته إخراج له عن صفة المال ، وأمّا اللقيط فإنّه حُرٌّ ظاهراً ، وفي دعواه تغيير هذه الصفة ، فافترقا ، فلا يجوز القياس.
وإن كانت اليد غير يد اللقطة ، حُكم لصاحبها بالرقّ إذا ادّعاه ، بناءً على الظاهر الذي سبق.
__________________
(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٢٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٥١٠.