وثالثها : أنه قال : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ)(١) ولو كان المراد بأولي الأمر الإمام المعصوم لوجب ان يقال : فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الإمام ، فثبت ان الحق تفسير الآية بما ذكرناه» (٢).
والّذي يرد على الفخر الرازي ـ في استفادته وجوب إطاعة أهل الإجماع وانهم هم المراد من كلمة أولي الأمر لا الأئمة ـ بناؤه هذه الاستفادة على اعتبار معرفة متعلق الحكم من شروط نفس التكليف ، وبانتفاء هذا الشرط لتعذر معرفة الأئمة والوصول إليهم ينتفي المشروط.
وهذا النوع من الاستفادة غريب في بابه ، إذ لازمه ان تتحول جميع القضايا المطلقة إلى قضايا مشروطة ، لأنه ما من قضية إلا ويتوقف امتثالها على معرفة متعلقها ، فلو اعتبرت معرفة المتعلق شرطا فيها لزمت ان تكون مشروطة.
والظاهر ان الرازي خلط بين ما كان من سنخ مقدمة الوجوب وما كان من سنخ مقدمة الواجب ، فلزوم معرفة المتعلق إنما هو من النوع الثاني ، أي من نوع ما يتوقف عليه امتثال التكليف لا أصله ، ولذلك التزم بعضهم بوجوبه المقدمي ، بينما لم يلتزم أحد فيما نعلم بوجوب مقدمات أصل التكليف وشروطه ، إذ الوجوب قبل حصولها غير موجود ليتولد منه وجوب لمقدماته ، وبعد وجودها لا معنى لتولد الوجوب منه بالنسبة إليها ، للزوم تحصيل الحاصل.
وعلى هذا فوجوب معرفة المتعلق للتكاليف لا يمكن أخذه شرطا فيها بما هو متعلق لها لتأخره رتبة عنها ، ويستحيل أخذ المتأخر في المتقدم للزوم الخلف أو الدور.
على ان هذا الإشكال وارد عليه نقضا ، لأن إجماع أهل الحل والعقد هو نفسه
__________________
(١) سورة النساء : الآية ٥٩.
(٢) التفسير الكبير : ١٠ ـ ١٤٦.