الأصناف الثلاثة ، أعني معارضة القول للفعل أو للإقرار أو للقياس ، ومعارضة الفعل للإقرار أو للقياس ، ومعارضة الإقرار للقياس» (١).
ولكن هذه الأسباب التي اقتبسها غير واحد من الباحثين المتأخرين وركزوا عليها لم تستوف مناشئ الاختلاف من جهة ولم تعرض إلى جذورها الأساسية من جهة أخرى ، وكلما عرضته منها أسباب تتصل بالاختلاف في تنقيح الصغريات لحجية الظهور ـ أعني ظهور الكتاب والسنة ـ أو لحجية القياس ، وكأن الكبريات ليس فيها مجال لأخذ ورد ، مع أن الخلاف فيما يتصل بالكبريات مما لا يمكن تجاهله.
فالأنسب ان يستوعب الحديث في الأسباب إلى ما يتسع لهما معا ، وهذا ما يدعونا إلى ان نقسمها إلى قسمين :
١ ـ الخلاف في الأصول والمباني العامة التي يعتمدونها في استنباطهم ، كالخلاف في حجية أصالة الظهور الكتابي ، أو الإجماع ، أو القياس ، أو الاستصحاب ، أو غيرها من المباني مما يقع موقع الكبرى من قياس الاستنباط.
٢ ـ اختلافهم في مدى انطباق هذه الكبريات على صغرياتها بعد اتفاقهم على الكبرى ، سواء كان منشأ الاختلاف اختلاف في الضوابط التي تعطى لتشخيص الصغريات بوجهة عامة ، أم ادعاء وجود قرائن خاصة لها مدخلية في التشخيص لدى بعض وإنكارها لدى آخرين ، كأن يستفيد أحدهم من آية الوضوء مثلا ـ بعد اتفاقهم على حجية الكتاب ـ ان التحديد فيها انما هو تحديد لطبيعة الغسل وبيان لكيفيته ، فيفتي تبعا لذلك بالوضوء المنكوس. بينما يستفيد الآخرون انه تحديد للمغسول وليس فيه أية دلالة على بيان كيفية الغسل ، أي أنه لم يكن في مقام البيان من هذه الجهة ، فلا بدّ من التماس بيان الكيفية من الرجوع إلى الأدلة
__________________
(١) بداية المجتهد ونهاية المقتصد : ١ ـ ٥ ـ ٦.