يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ (٢٧٣) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٧٤))
فإذا كانت التجارب الثلاث الماضية دروسا حول إنشاء قواعد التصوّر الإيماني وإيضاح هذا التصوّر وتعميق جذوره في نواح شتّى ، وكان محطّا في خطّ السورة الطويلة الّتي تعالج إعداد الجماعة المسلمة للنهوض بتكاليف دورها في قيادة البشريّة ، فمنذ الآن ـ ونحن نقترب إلى نهاية السورة ـ يتعرّض السياق لإقامة قواعد النظام الاقتصادي الاجتماعي الّذي يريد الإسلام أن يقوم عليها المجتمع المسلم ، وأن تنظّم بها حياة الجماعة المسلمة.
إنّه نظام التكافل والتعاون والتراحم والتعاطف ، الممثّل في الزكاة المفروضة ، والصدقات المندوب إليها ، وسائر ما تتمثّل فيه روح هذا التعاطف والتكافل الجماعي. وليس النظام الربوي الاستثماري الّذي كان حاكما على الجاهليّة الأولى ، ولا تزال سائدة على الأوضاع الاجتماعيّة الراهنة في أكثر المجتمعات المختلعة عن معالم الإنسانيّة الكريمة.
ومن ثمّ يتحدّث عن آداب الإنفاق في سبيل الله ، وشرائط إخلاصه المتناسب مع كرامة الإنسان وعواطفه النبيلة. ويمقت كارثة الربا وآثارها السيّئة المهدّدة لسلامة الاقتصاد العامّ.
وهكذا يقرّر أحكام الدين والتجارة في الدروس الآتية في السورة. وهي تكوّن في مجموعها جانبا أساسيّا من نظام الاقتصاد الإسلامي العادل ، والحياة الاجتماعيّة السليمة الّتي تقوم عليه.
وبين هذه الدروس الثلاثة الآتية ، صلة وثيقة ، فهي ذات موضوع واحد متشعّب الأطراف ، موضوع النظام الاقتصادي الإسلامي القويم.
وفي هذا الدرس نجد الحديث عن وظيفة البذل والإنفاق ودستور الصدقة والتكافل ، ويرسم السياق في تفصيل وإسهاب ؛ يرسم هذا الدستور مظلّلا بظلال أليفة رفيقة تبثّ روح العطف والحنان والتوادّ والتراحم. وترفع بالإنسانيّة إلى مستوى كريم ، المعطي فيه والآخذ على سواء.
والآن نواجه النصّ القرآني في هذا الدرس :