خلافه ممّا نفقده هنا.
قال : فالأولى أن لا يحكم بكون آية الإمتاع منسوخة.
الوجه الثالث : قد ثبت في الأصول : أنّه إذا دار الأمر بين النسخ والتخصيص ، كان التخصيص أولى (١) وهاهنا إن خصّصنا الآيتين كلّ آية بحالة تخصّها ـ كما فرضه مجاهد ـ كان أولى من التزام النسخ من غير دليل.
ورجّح الإمام الرازي قول أبي مسلم وجعله أظهر من قول المشهور ، حيث الالتزام بالنسخ من غير ضرورة ، التزام بما لا يلزم مع أنّ القول بالنسخ يستدعي سوء الترتيب الذي يجب تنزيه القرآن عنه. قال : وهذا كلام واضح. (٢)
***
وأورد صاحب المنار كلام أبي مسلم بطوله ـ حسب نقل الرازي ـ وعقّبه بقوله : فهذا تقرير قول أبي مسلم ، وهو في غاية الصحّة ثمّ قال : أوردنا كلام الرازي بنصّه وإسهابه وإطنابه لما فيه من تفنيد قول الجمهور ، بالحجج البيّنة التي يقتنع بها أولو الألباب. (٣)
قال السيّد رشيد رضا : وهذا يتّفق مع التفسير المختار عند الأستاذ الإمام ، وهو : أنّ الوصيّة للندب ، لا للوجوب. (٤)
***
وبعد فممّا يبعّد قضيّة النسخ في الآية : أنّ ثبتها في سورة البقرة برقم : ٢٤٠ ، لدليل على نزولها في عصر متأخّر ، ما يقرب من السّنة الخامسة أو السادسة بعد الهجرة فلو كانت نزلت لتقرّر عادة جاهليّة سبقت الإسلام ، لكان من شأنها النزول في إبّان التشريعات الإسلاميّة ، أيّام كان المسلمون بعد لم يأنسوا بتشريعات حديثة ، وقبل الهجرة بزمان. أو لا أقل في أوليات سنيّ الهجرة.
هذا مع غضّ النظر عن غرابة ثبت المنسوخ بعد الناسخ ، المستدعي تشويشا في الثبت الراهن ، وهو خلاف الأصل ، فلا يصار إليه إلّا بدليل.
__________________
(١) ذلك لأنّ التخصيص تفسير كاشف لجدّ المراد ، أمّا النسخ فهو رفع الحكم نهائيّا.
(٢) التفسير الكبير ٦ : ١٥٨ ـ ١٥٩.
(٣) المنار ٢ : ٤٤٨ ـ ٤٤٩.
(٤) المصدر : ٤٥٠.