قال أبو عبد الله القرطبي : استدلّ الإمام مالك ـ في رواية ابن وهب وابن القاسم ـ على صحّة القول بالقسامة بقول المقتول ـ عند موته ـ : دمي عند فلان ، أو فلان قتلني. ومنعه الإمام الشافعي وجمهور العلماء. قالوا : لأنّ قول المقتول : دمي عند فلان أو فلان قتلني ، خبر يحتمل الصدق والكذب. ولا خلاف أنّ دم المدّعى عليه معصوم ممنوع إباحته إلّا بيقين ، ولا يقين مع الاحتمال ؛ فبطل اعتبار قول المقتول : دمي عند فلان.
وأمّا قتيل بني إسرائيل فكانت معجزة وأخبر تعالى أنّه يحييه ، وذلك يتضمّن الإخبار بقاتله خبرا جزما لا يدخله احتمال ؛ فافترقا.
قال ابن العربي : المعجزة كانت في إحيائه ، فلمّا صار حيّا كان كلامه كسائر كلام الناس كلّهم في القبول والردّ ، قال : وهذا فنّ دقيق من العلم لم يتفطّن له إلّا مالك ، وليس في القرآن أنّه إذا أخبر وجب صدقه ، فلعلّه أمرهم بالقسامة معه (١).
قال القرطبي : واستبعد ذلك البخاريّ والشافعيّ وجماعة من العلماء فقالوا : كيف يقبل قوله في الدم وهو لا يقبل قوله في درهم؟! (٢).
وهكذا ذكر الشيخ في الخلاف أنّه لا يقبل قوله. قال :
[٢ / ٢٣٦٨] لقول النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر. وهذا مدّع (٣).
***
وبعد فإليك ما ذكره أرباب التفسير بالمأثور :
قال أبو جعفر الطبري : وهذه الآية ممّا وبّخ الله بها المخاطبين من بني إسرائيل في نقض أوائلهم الميثاق الّذي أخذه الله عليهم بالطاعة لأنبيائه ، فقال لهم : واذكروا أيضا من نكثكم ميثاقي ، إذ قال موسى لقومه ، وقومه بنو إسرائيل ، إذ ادّارأوا في القتيل الذي قتل فيهم ، إليه : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً) والهزو : اللعب والسخريّة ، كما قال الراجز :
__________________
(١) أحكام القرآن لابن العربيّ ١ : ٢٤ ـ ٢٥.
(٢) القرطبي ١ : ٤٥٧.
(٣) راجع : كتاب الخلاف لأبي جعفر الطوسي ٥ : ٣١١.