الوجه التاسع والعشرون : الإجماع واقع على أنّ قوله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) (١) ، (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) (٢) ـ وغيرهما من الآيات ـ مطلقة غير مقيّدة.
فإذا ثبت هذا فنقول : الخطاب إمّا أن يكون للأمّة ، [أو للأئمّة] (٣). والأوّل باطل ؛ للإجماع على أنّ الحدود لا يتولّاها إلّا الإمام ، أو من أذن له الإمام ، كما نقله الخوارزمي (٤). فتعيّن الثاني.
وإذا كان خطابا للإمام وجب أن يكون منصوبا من قبله تعالى ؛ [ليتحقّق] (٥) الأمر نحوه ، ويتوجّه الخطاب إليه. ولا يجوز أن يكون منصوبا من قبل الأمّة (٦) ؛ وإلّا لكان الأمر موقوفا على أن تنصب الأمّة إماما ويقبل ذلك المنصوب الإمامة.
لا يقال : إنّه أمر مطلق بالتوصّل إلى قطع السارق والسارقة ، والتوصّل إليه إنّما يكون بقبول من يصلح للإمامة لها ، وبعقد من يمكنه العقد لمن يصلح (٧) للإمامة ، فيلزم ـ من جهة الآية ـ على من يصلح للإمامة قطع السارق مع مقدّماته ، وهي قبوله للإمامة ، ولزم على من يمكنه العقد له القطع ، بأن يعقد الإمامة لمن يصلح لها فيقطعه
__________________
(١) المائدة : ٣٨.
(٢) النور : ٢.
(٣) من «ب».
(٤) هو ركن الدين محمود بن محمّد الملاحمي الخوارزمي ، الشيخ النحرير ، من أشهر تلامذة أبي الحسين البصري المعتزلي. توفّي سنة ٥٣٦ ه. له مؤلّفات كثيرة منها : المعتمد في أصول الدين ، الفائق في أصول الدين ، كتاب الحدود ، تحفة المتكلّمين في الردّ على الفلاسفة ، وغيرها. انظر : مقدّمة كتابه المعتمد في أصول الدين. طبقات المعتزلة : ١١٩.
(٥) في «أ» و «ب» : (لتحقّق) ، وما أثبتناه للسياق.
(٦) في «أ» زيادة : (فيكون منصوبا) بعد : (الأمّة) ، وما أثبتناه موافق لما في «ب».
(٧) في «أ» زيادة : (بها ويعقد) بعد : (يصلح) ، وما أثبتناه موافق لما في «ب».