فكأنّه قبل أن لم يستيقن بالحدث فهو متيقّن بالطهارة تعبّدا ؛ إذ هو متيقّن وجدانا بالوضوء السابق ، وذلك يجعله في حكم المتيقّن بالطهارة فعلا.
ثمّ إنّ ما فيه الترتّب من الشأن قد يكون واضحا ، وقد يكون خفيّا ، فيحتاج إلى التنبيه ، ومن ذلك المقام ؛ ولذا عقّب عليهالسلام قوله : «فإنّه على يقين» بقوله : «ولا تنقض اليقين أبدا بالشكّ» تنبيها على ذلك الترتّب ، وأنّ الكون على اليقين من وضوئه مرتّب على سابقه بما أنّه محكوم بخطاب «لا تنقض» حتّى لا يبقى مجال التكلّف في تصحيحه بما تكلّفوه من حمل «فإنّه على يقين» على اليقين التعبّدي الاستصحابي ، أو جعل الجزاء جملة «لا تنقض» والجملة السابقة توطئة لها ، أو تقدير نتيجة المقدّمتين الملفوظتين جزاء ، وقد حذفت وأقيمت المقدّمتان مقامها ، فإنّ كلّ هذه باطلة.
أمّا الأوّل ؛ فلأنّه يوجب فساد قوله عليهالسلام : «ولا تنقض اليقين أبدا بالشكّ» إلى آخر الكلام ؛ فإنّه إن أريد من اليقين فيه اليقين التعبّدي ـ مطابق الجملة الأولى ـ فسد المعنى ، وإن أريد من اليقين فيه اليقين الوجداني بالوضوء السابق فسدت العبارة.
وأمّا الثاني ؛ فلأنّ عطف الجملة الثانية بالواو على تقدير كونها هي الجزاء يكون باطلا.
وأمّا الثالث ؛ فلأنّ الجملتين ليستا مقدّمتي برهان لتكون نتيجتهما هي الجزاء وقد حذفت وأقيمتا مقامها. وكيف تكون الجملة الإنشائيّة برهانا على الدعوى؟! وأين الوضع والحمل هناك؟! انظر إلى جملتي «هذا عالم» و «كلّ عالم أكرمه» هل تجدهما مقدّمتي برهان على أمر ، أم هما إنشاء حكم مع التنبيه على جزئي من جزئيّات موضوعه؟!
ثمّ إنّ التعدّي عن مورد الصحيحة بالتمسّك بها على اعتبار الاستصحاب عموما موقوف على عدم كون الجزاء هو الاستصحاب ـ أعني ثاني الاحتمالات المتقدّمة ـ وإلّا كانت قضيّة الترتّب المعتبر بين الجزاء وشرطه هو اختصاصه بمورده ، وأيضا لا يكون اللام في قوله : «ولا ينقض اليقين بالشكّ» للعهد إشارة إلى اليقين المذكور في الجملة الأولى ، ولعلّة الظاهر ، ويؤكّده اشتمال الأخبار الأخر على هذه القضيّة.
وربما يتوهّم أنّ العهد لا يضرّ العموم ؛ لأنّ المعهود أيضا هو جنس الوضوء لا اليقين الخاصّ المتعلّق بالوضوء ؛ لأنّ المجرور ب «من» تعلّق بالظرف لا بأمر مقدّر هو صفة لليقين