«يا زرارة! قد تنام العين ولا ينام القلب والأذن ، وإذا نامت العين والأذن والقلب وجب الوضوء». قلت : فإن حرّك إلى جنبه شيء ولم يعلم به؟ قال : «لا ، حتّى يستيقن أنّه قد نام ، حتّى يجيء من ذلك أمر بيّن ، وإلّا فإنّه على يقين من وضوئه ، ولا تنقض اليقين أبدا بالشكّ وإنّما تنقضه بيقين آخر» (١).
وتقريب الاستدلال بهذه الصحيحة على حجّيّة الاستصحاب عموما يتوقّف على التكلّم في مقامين :
الأوّل في مادّة النقض : فاعلم أنّ النقض من النقيض والتناقض. ونقض الاستدلال ونقض العهد ونقض الوضوء ونقض الصلاة وهلمّ جرّا. ونقض الشيء هو قلبه إلى النقيض مثل أن يزيل يقينه في المقام بالتأمّل فيما يذهبه ، وقد شاع إطلاقه على رفع اليد عن كلّ عمل وإفساده ، ومعنى إفساده إلغاؤه عن الأثر كنقض الوضوء بالحدث ونقض الغزل والحياكة والبناءة والفلاحة ، ومن ذلك نقض اليقين بشيء من عدد الركعات برفع اليد عن الصلاة بمجرّد الشكّ في عدد الركعات ، فلفظ «النقض» في «لا تنقض» في الصحيحة الثالثة (٢) مستعمل في حقيقتها بلا توسّع.
وقد يتوسّع ويطلق على ترك الالتزام والأخذ بلوازم عمله ونتائجه ؛ إذ بذلك يشبه الملغي لعمله وجاعله بلا أثر وثمر ، ومن ذلك المقام. وعلى ذلك يستكشف من عبارة «لا تنقض» ـ كشفا اقتضائيّا ـ عن أنّ أثر اليقين بشيء ـ حكما كان أو موضوعا ـ هو استمرار ما على يقين منه في ظرف الشكّ تعبّدا الذي هو معنى الاستصحاب ؛ ليكون رفع اليد عن ذلك الاستمرار نقضا ، والالتزام به إبقاء ، فصدق مادّة النقض إنّما هو بلحاظ جعل الاستمرار والتعبّد بالاستصحاب ، فهو متأخّر عن ذلك الجعل وكاشف عنه كشفا إنّيّا ، لا سابق عليه حاصل به إنشاء جعله إلّا على سبيل الكناية كإنشاء الأحكام الشرعيّة إجمالا بعبارة : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)(٣) الكاشفة عن وجود أحكام مجعولة تجب إطاعتها ، ف «لا تنقض» ك «أطيعوا» في مرتبة متأخّرة عن جعل الحكم ، لا أنّ به يكون جعل الحكم.
__________________
(١) التهذيب ١ : ٨ / ١١ ؛ وسائل الشيعة ١ : ٢٤٥ أبواب نواقض الوضوء ، ب ١ ، ح ١.
(٢) يأتي في ص ٣٧٠.
(٣) النساء (٤) : ٥٩ ؛ المائدة (٥) : ٩٢ ؛ النور (٢٤) : ٥٤ ؛ محمد (٤٧) : ٣٣ ؛ التغابن (٦٤) : ١٢.