لا يستصحب الحكم الشرعي. وأمّا حكم العقل فهو مقطوع الارتفاع ؛ لأنّ المفروض أنّه متوقّف عن الحكم ، ولو فرض الشكّ لم يكن لاستصحابه أثر. نعم ، لا بأس باستصحاب موضوع حكم العقل إن كملت شرائط الاستصحاب.
توضيح المقام أنّ للعقل حكمين :
كبروي وهو حكمه بحسن الإحسان وقبح الظلم ، وهذا الحكم منحصر في هذين الاثنين ، وهو مفاد الكريمة : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) ... (وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ)(١) وكلّ ما سوى ذلك من أحكامه فهو مندرج تحت هذين وبملاك الإحسان والظلم.
وصغروي وهو حكمه في الموضوعات الجزئيّة ، وحكمه هذا نتيجة اجتماع مقدّمتين :
إحداهما : حكمه الكبروي المتقدّم.
والاخرى : تحقّق صغرى ما حكم عليه في الخارج.
فيقول : هذا إحسان ، وكلّ إحسان حسن ، فهذا حسن ، أو هذا ظلم ، وكلّ ظلم قبيح ، فهذا قبيح. وفي أثر حكمه هذا يحرّك نحو العمل ، كما أنّ الملازم لحكم الشرع والمستكشف منه حكمه هو حكمه الأوّل. والعقل لا يشكّ في حكمه هذا ، وإنّما يشكّ في تحقّق موضوعه في الخارج ، وبمجرّد الشكّ يتوقّف عن حكمه. وبالنتيجة لا يكون شاكّا في حكمه الصغروي أيضا ، بل بمجرّد الشكّ في تحقّق موضوع حكمه الكلّي يتوقّف عن الحكم صغرويّا ، ولا يكون حاكما جزما ، فالشكّ ليس إلّا في تحقّق موضوع حكم العقل ، ويلزمه الشكّ في تحقّق موضوع حكم الشارع ، ومعه لا يجوز الاستصحاب.
وليس المقام مقام المسامحة والرجوع إلى العرف في تشخيص الموضوع ؛ لأنّ ذلك فيما لم يعلم الموضوع بالدقّة ، وفيما نحن فيه علم ذلك بالدقّة ؛ لأنّ حكم الشرع متلقّى من لسان العقل ، والعقل يعطي الحكم بتمام ما هو الدخيل من قيود موضوعه ، فلا قيد هناك يحتمل عدم دخله ، بل كلّ القيود دخيل ، وكلّ ما ارتفع شيء فقد ارتفع الموضوع ولم يجر الاستصحاب.
نعم ، استصحاب استمرار الموضوع لا بأس به. وهذا الذي قلناه جار في الأدلّة السمعيّة
__________________
(١) النحل (١٦) : ٩٠.