ثمّ لو فرضنا عدم معرفة معنى هذا اللفظ لم يقدح ذلك في التمسّك بالجملة الأولى.
وأمّا الكلام في معنى الهيئة : فاعلم أنّ ظاهر الجملة هو النفي للضرر نفيا حقيقيّا لا ادّعائيّا بلا تقدير للمنفيّ ولا تقييد له ، ولا مانع من الأخذ بهذا الظاهر بلا تصرّف فيها إمّا بحمل النفي على النهي ، أو حمل النفي على كونه ادّعائيّا ومن جهة انتفاء الآثار ، أو تقدير المنفيّ حكما يلزم منه الضرر ، أو تقييده بالضرر غير المتدارك كما قيل بكلّ منها؟
فإنّ هذه التصرّفات في الحديث ناشئة من عدم التوجّه إلى قيد الإسلام المصرّح به في بعض الأخبار ، وهو منويّ في البعض الآخر. والمراد من الإسلام المنفيّ فيه الضرر الأعمال الإسلاميّة ، وعلى تفسير الإسلام بالأعمال وردت طائفة من الأخبار. ومعنى كون الضرر منفيّا فيها عدم كون الضرر من جملة الأعمال الإسلاميّة ، ولازمه أنّ كلّ ما فيه ضرر فليس عملا إسلاميّا ، ومعناه : أنّه ليس مرخّصا فيه في شرع الإسلام ، فكانت العبارة متكفّلة لنفي كلّ حكم يلزم منه الضرر ، وكذلك متكفّلة لتحريم الإضرار ؛ إذ لو لم يكن الإضرار حراما وكان مرخّصا فيه شرعا كان من جملة الأعمال الإسلاميّة ؛ لأنّ مباحات الإسلام أيضا من جملة أعماله ، وما ليس من أعماله هو محرّماته.
نعم ، منصرف العبارة غير إضرار الشخص نفسه ، وقد قيّد المنفيّ في بعض الأحاديث بالضرر والضرار على المؤمن. ودعوى شمول ذلك للإضرار على النفس لأنّه مؤمن ، كدعوى شمول دليل (لا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ)(١) إعانة النفس على الحرام. نعم ، لا يبعد دعوى المناط القطعي.
ثمّ إنّ تفصيل ما تأوّلوا به العبارة ـ بعد أن لم يمكنهم الأخذ بظاهرها لعدم التنبّه بما ذكرنا ـ هو ارتكاب أحد أمور أربعة :
الأوّل : حمل النفي على النهي ، وهذا الحمل يوجب اختصاص الجملة ببيان الحكم التكليفي ـ أعني حرمة الإضرار ـ وأمّا نفي ما يلزم منه الضرر من الأحكام الوضعيّة والتكليفيّة فيبقى مسكوتا عنه ، مع تطابق النصّ والفتوى على التمسّك بالحديث لنفي الأحكام الضرريّة ، فيقع التزاحم بين دليل نفي الضرر وبين دليل الواجب في الفرد الضرري
__________________
(١) المائدة (٥) : ٢.