التقوى في المشتبهات تحصل بالاحتياط ؛ فإنّه من التوقّي عن المخاطر ، وتركه إلى البراءة قولا وعملا خلاف الفتوى.
وفيه : أنّه لا خطر ـ من جهة العقاب ومن غير جهة العقاب ـ مع حكم العقل وقيام الأدلّة الشرعيّة على الإباحة.
الثالثة : الآيات الناهية عن إلقاء النفس في التهلكة.
قال الله تعالى : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)(١) ؛ فإنّ المراد من التهلكة إمّا خصوص العقاب أو ما يعمّه والهلكة الدنيويّة ، وأيّا منهما كان تدلّ الآية على المطلوب.
والجواب عنها يظهر ممّا تقدّم من وجود ما يقطع معه بعدم التهلكة ، وهي أدلّة البراءة الشرعيّة والعقليّة ، مع أنّ الشكّ في ثبوت التهلكة كاف في بطلان الاستدلال.
ومن السنّة بطوائف يظهر الجواب الطوائف المطابقة لطوائف الآيات ممّا تقدّم في الآيات ، وتبقى طائفتان :
الأولى : ما دلّ من الأخبار على العقاب في الشبهات ، ومن أجله أوجبت الاحتياط ، مثل قوله عليهالسلام : «إنّ الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة» (٢) ، وقوله عليهالسلام في حديث التثليث : «قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : حلال بيّن وحرام بيّن وشبهات بين ذلك ، فمن ترك الشبهات نجا من المحرّمات ، ومن أخذ بالشبهات وقع في المحرمات وهلك من حيث لا يعلم» (٣) وروى الشهيد مرسلا : «ليس بناكب عن الصراط من سلك سبيل الاحتياط» (٤).
الثانية : ما دلّ من الأخبار على التوقّف والاحتياط بلا تعرّض للعقاب ، مثل قوله عليهالسلام : «وخذ بالاحتياط في جميع أمورك» (٥) وقوله عليهالسلام : «أخوك دينك فاحتط
__________________
(١) البقرة (٢) : ١٩٥.
(٢) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٥٩ أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ١٥.
(٣) الكافي ١ : ٥٤ / ١٠ ؛ الفقيه ٣ : ٦ / ١٨ ؛ التهذيب ٦ : ٣٠١ / ٨٤٥ ؛ وسائل الشيعة ٢٧ : ١٥٧ أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٩.
(٤) لم نعثر عليه في المجاميع الحديثيّة وكذا في ذكرى الشيعة وسائر كتب الشهيد والظاهر أنّ المصنّف نسب رواية الحديث إلى الشهيد اغترارا عن كلام الشيخ الأعظم في الفرائد. نعم نقلها المحدّث البحراني في الحدائق ١ : ٧٦.
(٥) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٧٢ أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٦١.