المولى بلا إناطة
بأن تكون على طبقه إرادة منه.
والسرّ أنّ تنفيذ
أمر المولى وكلمته وإنجاز بعثه وخطابه بنفسه مقصود من المقاصد الأصليّة له ـ سواء
كانت هناك إرادة بذات الفعل أو لم تكن ـ ومثل هذه من الإرادات بالعناوين الثانويّة
غير عزيز.
ومن هنا ظهر أنّ
عدم سقوط الأمر في العبادات بالإتيان بجرم العمل إنّما هو لنقص في العمل وعدم
اشتماله على المطلوب بتمامه ، وهذا بخلاف الأوامر التوصّليّة حيث إنّ المطلوب
الأصلي فيها مطلق الفعل والفعل بأيّ داع كان وإن كان المبعوث إليه أيضا خاصّا.
فإذا حصل المطلوب
الأصلي بالإتيان بجرم العمل لم يبق محلّ للبعث ؛ إذ البعث كان منبعثا منه ، فإذا
لم يبق مراد أصلي لم يبق مراد بعثي تبعي ، وقد عرفت أنّ هذا لا يكون إلّا فيما كان
عجز يمنع المولى من ترتيب مقدّمات الوصول إلى مقصده على سعته ، فيرتّب ما وسعه من
المقدّمات ويترك ما لم يسعه.
أمّا إذا كان
المولى قادرا على كلّ المقدّمات ومع ذلك لم يرتّب كشف ذلك لا محالة عن عدم سعة
إرادته وكون اقتضاء إرادته لا يزيد على ما رتّبه من المقدّمات ؛ ولذلك قلنا : إنّ
كلّ أوامر الشارع عباديّة مطابق الآية الكريمة المباركة [وهي قوله تعالى :](وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا
اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ).
إن قيل : نحن نرى
بالعيان ونشاهد بالوجدان وجود أوامر توصّليّة في الشريعة تسقط أوامرها بحصول
متعلّقاتها بأيّ وجه كان.
قلنا : كلّ تلك
الأوامر تعبّديّة والمطلوب فيها خاصّ بالحاصل منها بداعي الطلب ، وما عداه لا
يتّصف بالمطلوبيّة سواء كان فعلا اختياريّا للمكلّف أو لم يكن ، بل كان فعلا لغير
ذي شعور ، ومع ذلك يسقط به الطلب من جهة رفعه لموضوع الطلب. مثلا حصول غسل الثوب
بإطارة الريح وإلقائه في البحر ـ فضلا عن غسل المكلّف له اضطرارا أو اختيارا ولكن
لا بداعي الأمر ـ يكون موجبا لارتفاع النجاسة الموجب لسقوط الخطاب بغسل النجس ،
وهكذا.
__________________