(المسألة الخامسة) :
في أنواع الدلائل الدالة على أن الخمر هو المسكر :
(النوع الأول) : أن الأمة مجمعة على أن الآيات الواردة في الخمر ثلاث : اثنتان منها وردتا بلفظ الخمر إحداهما : هذه الآية والثانية : آية المائدة ، والثالثة : وردت في السكر وهي قوله تعالى : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) [النّساء : الآية ٤٣]. وهذا يدل على أن المراد من الخمر هو المسكر.
(النوع الثاني) : أن سبب تحريم الخمر هو أن عمر ومعاذا قالا : يا رسول الله إن الخمر مسلبة للعقل مذهبة للمال فبين لنا فيه فهما ، وإنما طلبا الفتوى من الله ورسوله بسبب كون الخمر مذهبة للعقل ، فوجب أن يكون كل ما كان مساويا للخمر في هذا المعنى ، إما أن يكون خمرا ، وإما أن يكون مساويا للخمر في هذا الحكم.
(النوع الثالث) : أن الله علل تحريم الخمر ، وبقوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) [المائدة : الآية ٩١]. ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة.
ولا شك أن هذه الأفعال معللة بالسكر ، وهذا التعليل يقيني فعلى هذا تكون هذه الآية نصا في أن حرمة الخمر معللة بكونها مسكرة ، فإما أن يجب القطع بأن كل مسكر خمر أو إن لم يكن كذلك فلا بد من ثبوت هذا الحكم في كل مسكر ، وكل من أنصف وترك العناد علم أن هذه الوجوه ظاهرة جليلة في إثبات هذا المطلوب.
حجة أبي حنيفة ـ رحمهالله تعالى ـ من وجوه :
(الوجه الأول) : قوله تعالى : (وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً) [النّحل : الآية ٦٧]. منّ الله تعالى علينا باتخاذ السكر والرزق الحسن ، وما نحن فيه سكر وزرق حسن فوجب أن يكون مباحا ؛ لأن المنة لا تكون إلا بالمباح.
(الوجه الثاني) : ما روى ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنه ـ عليهالسلام ـ أتى السقاية عام حجة الوداع فاستند إليها ، وقال : اسقوني. فقال العباس : ألا أسقيك مما ننبذه في بيوتنا فقال : مما تسقي الناس فجاءه بقدح من نبيذ فشمه فقطب وجهه ورده فقال العباس : يا رسول الله أفسدت على أهل مكة شرابهم. فقال : ردوا علي القدح. فردوه عليه فدعا بماء من زمزم وصبه عليه وشرب ، وقال : إذا اغتلمت عليكم هذه الأشربة فاقطعوا نتنها بالماء.