(المسألة الأولى) :
قال تعالى : (وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ) [فاطر : الآية ٩]. بلفظ الماضي وقال : (فَتُثِيرُ سَحاباً) [الرّوم : الآية ٤٨]. بصيغة المستقبل ، وذلك لأنه لما أسند فعل الإرسال إلى
الله وما يفعل الله يكون بقوله : (كُنْ) [البقرة : الآية ١١٧]. فلا يبقى في العدم لا زمانا ولا جزءا من الزمان فلم
يقل بلفظ المستقبل لوجوب وقوعه وسرعة كونه كأنه كان ، وكأنه فرغ من كل شيء ، فهو
قدر الإرسال في الأوقات المعلومة إلى المواضع المعينة ، والتقدير كالإرسال ، ولما
أسند فعل الإثارة إلى الريح ، وهو يؤلف في زمان فقال تثير أي على هيئتها.
(المسألة الثانية) :
قال أرسل
إسنادا للفعل إلى الغائب ، وقال : (سقنا) بإسناد الفعل إلى المتكلم وكذلك في قوله
: (فَأَحْيَيْنا)
[فاطر : الآية ٩].
وذلك لأنه في الأول عرّف نفسه بفعل من الأفعال ، وهو الإرسال ، ثم لما عرف قال :
أنا الذي عرفتني سقت السحاب وأحييت الأرض ففي الأول كان تعريفا بالفعل العجيب.
وقوله : سقنا وأحيينا. بصيغة الماضي يؤيد ما ذكرناه من الفرق بين قوله أرسل وبين
قوله تثير.
(المسألة الثالثة) :
ما وجه التشبيه
بقوله : (كَذلِكَ النُّشُورُ)
[فاطر : الآية
٩]. بقول فيه وجوه :
(أحدها) : أن
الأرض الميتة كما قبلت المياه اللائقة بها كذلك انتشرت الكرات الصغيرة من أسطحة
البحار للجو.
(وثانيها) :
كما أن الريح يجمع القطع السحابية كذلك يجمع الماء بين أجزاء الأرض.
(وثالثها) :
كما أنا نسوق الريح والسحاب إلى البلد الميت نسوق المياه من باطن الأرض إلى البحار
، فقد ظهر لك كيفية الدورة الحقيقية التي جعلها الله تنشأ منها الكائنات الموجودة
المعمورة بها الكون.
قال بعض
الفلاسفة : البحر المحيط هو منبع النوع البشري إذ في وسط هذا العنصر السائل تحت
الحياة العضوية في المادة الغير المتحركة حتى الجزء المادي الذي أراد الباري
سبحانه إحياءه ، واكتسب على توالي الزمان أحوالا وعوائد وتنوعات كثيرة في الشكل
الذي نراه في الكائنات الآلية.