قائمة الکتاب

    إعدادات

    في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
    بسم الله الرحمن الرحيم

    كشف الأسرار النورانيّة القرآنيّة [ ج ١ ]

    كشف الأسرار النورانيّة القرآنيّة

    كشف الأسرار النورانيّة القرآنيّة [ ج ١ ]

    تحمیل

    كشف الأسرار النورانيّة القرآنيّة [ ج ١ ]

    22/503
    *

    (الثالث) : أن هذه الآية تدل على أنه تعالى لما أخبر الملائكة بأنه خالق بشرا من طين ، لم يقول شيئا ، وفي الآية الأخرى وهي التي قال فيها : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) [البقرة : الآية ٣٠] بين أنهم أوردوا السؤال والجواب فيها ، والجواب عن الأوّل أن التقدير أنه سبحانه وتعالى وصف لهم أولا أن البشر شخص جامع للقوة البهيمية والسبعية والشيطانية آنية والملكية ، فلما قال : (إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ) [ص : الآية ٧١]. فكأنه قال : ذلك الشخص المستجمع لتلك الصفات إنما أخلقه من طين ، والجواب عن الثاني أن المادة البعيدة هي التراب ، وأقرب منها الطين ، وأقرب منه الحمأ المسنون ، وأقرب منه الصلصال ، فثبت أنه لا منافاة بين الكل. والجواب عن الثالث أنه في الآية المذكورة في سورة البقرة بين لهم أنه يجعل في الأرض خليفة ، وفي الآية المذكورة هاهنا بين أن ذلك الخليفة بشر مخلوق من الطين ، فهو بيان لحقيقة مادته ، فلا يرد عليه ذلك السؤال.

    في السؤال الرابع:

    قوله : (فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) [الحجر : الآية ٢٩]. يدل على أن تخليق البشر لا يتمّ إلا بأمرين : التسوية أوّلا ، ثم نفخ الروح ثانيا ، وهذا حق ؛ لأن ذلك الإنسان مركب من جسد ونفس ، أما الجسد فإنه تولد من المني ، وقد تقدم أنه يكون من التراب ومن الطين ومن حمأ مسنون ومن صلصال كالفخار ، وأن من ذلك جعل الله تعالى المادّة الحيوانية التي تركبت منها جميع الأنسجة ، ولا بدّ في حصول هذه التسوية من رعاية مقدار مخصوص لكل واحد منها ، ومن رعاية كيفية امتزاجاتها وتركباتها ، ومن رعاية المدّة التي في مثلها حصل ذلك المزاج الذي لأجله يحصل الاستعداد لقبول النفس الناطقة ، وقبل أن نتكلم على النفس نتكلم على ترقي القوة الحساسة الحيوية فنقول : (اعلم) أنه لما كان كل من الإنسان وما يشبهه من الكائنات مضطر إلى مخالطة جميع ما حوله من الأجسام ، وكان كل من الخاصيتين العضويتين المذكورتين المسماة إحداهما القابضة العضوية ، والثانية بالقوة الحساسية كما تقدم آنفا ربما لا يكفي في حياتهما لضعف درجته فيهما لزم أن يكون لهما قوة حساسة حيوية به أرقى من القوة الحساسة العضوية بها يدركان التأثير الذي تتأثره بعض أعضائها ويحكمان عليه ويقابلان بغيره ؛ لأن الفاعل الحكيم والمقدر الرحيم رتب خلقه هذه الأعضاء على هذه الصفات المختلفة بحكمته وقدرته ، وجعل لهذه المادة إدراكا أي قوة يقتدر بها على معرفة ما يحصل في الجسم من الإحساسات ، وهذه القوة الحساسة ليست كالحساسة العضوية المتقدم ذكرها ؛ لأن هذه تضطر مع تأثير المنبه لإعانة الأعصاب والمخ ، أو مركز يقوم مقامهما ؛ ولذا