من تكون الأرض ، وأنه لم يكن إلا قطر واحد في الكرة بتمامها ، والوصف العجيب الذي يوجد في نباتات الزمن المذكور هو نموها الخارق للعادة ، فأنواع «السرخس» التي لا يتكوّن منها في عصرنا هذا إلا نبات حشيشية خالدة في البلاد الباردة ، كان يتكون منها أشجارا أعظم ارتفاعا من أشجار «التنوب» ومثل ذلك يقال في أنواع الكبريت النباتي التي ارتفاعها ذراع واحد في زماننا هذا ، وكان ارتفاعها في الزمن القديم اثنين وثلاثين ذراعا إلى أربعين ، وكان قطرها ذراعا ونصفا ، وهذه الأشجار المرتفعة هي التي تكونت منها الغابات المتسعة في المدة الفحمية ، وكانت تغطي الأرض بتمامها من قطب إلى آخر. ولأجل بيان المدة الفحمية ينبغي تقسيمها إلى مدتين :
(الأولى) : مدة الحجر الجيري الفحمي التي تولدت فيها رسوبات بحرية مهمة.
(والثانية) : المدة الفحمية ، فقد حصل تكون الفحم الجيري في هاتين المدتين ، وخصوصا المدة الثانية ، وأما مدة الحجر الجيري الفحمي فاعلم أن النباتات التي كانت تغطي الجزائر كانت من أنواع «السرخس» أو «ذيل الفرس» أو الكبريت النباتي أو نباتات ذات فلقتين تشبه نباتات الفصيلة المخروطية ، فالأنواع ذات الأوراق الحلقية ، والأنواع ذات الختوم تنسب إلى فصائل نبتت وانقطع نسلها وكانت من ذات الفلقتين ، والنباتات العظيمة الارتفاع من أنواع القصب الفارسي كانت كثيرة في هذه المدة ، وكان طول كل من هذه الأشجار من ثلاثة عشر ذراعا إلى خمسة عشر ، وجذوعها عقدية ، وهي تنمو بواسطة ساق أرضية يخرج منها أزرارا أرضية جديدة ، والمدة الفحمية تتصف بكثرة النبات العجيب الذي كان يغطي الأرض ، وكانت النباتات إذ ذاك متشابهة في النمو ، ونبات الزمن الفحمي كان يخالف نبات زماننا هذا بالكلية ، ومن الأحوال الجوية والأرضية بالزمن الفحمي تعرف الصفات التى بها يتميز هذا النبات الأصلي ، فالأمطار المستمرة والحرارة الشديدة والضوء الخفيف المستور بضباب مستمر كان يتولد عنها نبات مخصوص لا يمكن الحصول على ما يشبه في عصرنا هذا ، ومع ذلك إذا أريد تصور نبات ذلك الزمن ، ينبغي التأمل في بعض جزائر من البحر الهادئ أو شاطئه كجزيرة «شبلوية» التي يسقط فيها المطر مدة ثلاثمائة يوم من السنة ، والشمس فيها مستورة بضباب مستمر ، فنبات هذه الجزيرة يتصور منه على وجه التقريب النبات الذي غطى الكرة الأرضية في المدة الفحمية ، فأنواع من «السرخس الشجري» يتكون منها في هذه الجزيرة غابات تنمو في ظلها أنواع «السرخس» حشيشية ترتفع إلى ذراع فوق أرض ذات مستنقعات ، وينبت تحتها أنواع كثيرة من نباتات صغيرة خفية فهيئة هذه النباتات كنباتات هذه المدة الفحمية ، وكانت هذه النباتات قليلة الأجناس كما قلنا ، لكن الفصائل القليلة كانت تحتوي