وثالثا : سلمنا أن الظن بالواقع لا يستلزم الظن به ، لكن قضيته ليس إلا التنزل إلى الظن بأنه مؤدى طريق معتبر ، لا خصوص الظن بالطريق ، وقد عرفت أن الظن بالواقع لا يكاد ينفك عن الظن بأنه مؤدى الطريق غالبا (١).
______________________________________________________
بالبراءة ، فان البراءة بعد ان كانت معلقة باتيان الواقع وان النهي عن اتباع القياس طريقي لا موضوعي ، والمفروض ان ما يؤتى به مظنون الواقعية ، فلا بد وان يكون مظنون البراءة ايضا ، وايضا لا ينافي الظن بالبراءة عدم معذورية العامل بالقياس لو أخطأ الواقع ، بل نلتزم ايضا بان العامل بالقياس يستحق العقاب وان اصاب قياسه الواقع ، اذا كان العامل قد بنى على حجية القياس تشريعا ، لانه من التصرف في سلطان المولى ، وايضا نلتزم بان اقتصار العامل على الظن القياسي المنهي عن اتباعه من التجري ، ولا يلازم ذلك كله عدم الظن بالبراءة.
والمتحصّل مما ذكر هو انه لا فرق بين الظن القياسي القائم على الطريق ، وبين الظن القياسي القائم على الواقع ، في كون كل منهما لازمه الظن ببراءة الذمة ، ولا فرق بينهما من هذه الجهة اصلا ، وان التزمنا باستحقاق العقاب ولو مع الاصابة بناء على التجري.
نعم ، لو قلنا في التجري بان العقاب على الفعل المتجرى به لما امكن القول بالظن بالبراءة ، لان الفعل المتجرى به يكون معنونا بعنوان محرم ثانوي ، ومع تعنونه بالعنوان المحرم لا يعقل ان يكون مظنون البراءة بحكم الشارع ، بل يكون مقطوع الحرمة والعقاب فيما اذا كان توصليا ، لعدم امكان كون ما يقع محرما مبرئا للذمة المشغولة بالوجوب مثلا ، ومع كونه عباديا لا يتأتى فيه قصد القربة لفرض احتمال كونه مبغوضا ومبعّدا ، فلا يعقل ان يقصد به التقرب على نحو الظن ، ولعله الى هذا اشار بقوله : «فافهم».
(١) هذا هو الايراد الثالث على المحقق (قدسسره) ، وحاصله : انه لو تنزّلنا وسلّمنا جميع ما ادعاه صاحب الحاشية من مقدماته الثلاث ، لما كانت النتيجة في الانسداد