ومنها : آية النفر ، قال الله تبارك وتعالى : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ) طائفة الآية ، وربما يستدل بها من وجوه (١) :
أحدها : إن كلمة (لعل) وإن كانت مستعملة على التحقيق في معناه الحقيقي ، وهو الترجي الايقاعي الانشائي ، إلا أن الداعي إليه حيث يستحيل في حقه تعالى أن يكون هو الترجي الحقيقي ، كان هو محبوبية التحذر عند الانذار ، وإذا ثبت محبوبيته ثبت وجوبه شرعا ، لعدم الفصل ، وعقلا لوجوبه مع وجود ما يقتضيه ، وعدم حسنه ، بل عدم إمكانه بدونه (٢).
______________________________________________________
(١) هذا هي الآية الثانية التي استدل بها لحجية خبر الواحد وهي قوله تعالى في سورة براءة : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)(١) وتقريب الاستدلال بها من وجوه ثلاثة اشار اليها.
(٢) توضيح الاستدلال بهذه الآية في هذا الوجه الاول يتوقف على تمهيد مقدمة حاصلها : ان الترجي الحقيقي المقابل للترجي الانشائي هو رجاء وقوع الشيء الملائم وقوعه للنفس ، ولازمه جهل المترجي بالوقوع وعدمه ، اذ لو كان عالما بوقوعه فلا يكون وقوعه مرجوا له بل يكون معلوما له ، ولو كان عدمه معلوما له فلا يعقل ان يتحقق منه الرجاء لوقوعه ، والظاهر من المشهور هو وضع كلمة لعل للترجي الحقيقي.
والذي مرّ من المصنف في مبحث الاوامر وضع هذه الكلمة للترجي الانشائي دون الحقيقي ، كما ان رأيه ذلك في صيغ الاستفهام والتمني وساير هذه الصيغ المعدّة للانشاء ، ولكن الظاهر منه انها وان كانت موضوعه لانشاء الترجي إلّا انه حيث يكون الداعي لانشاء الترجي هو الترجي الحقيقي فيكون على هذا الترجي الحقيقي
__________________
(١) التوبة : الآية ١٢٢.