لجميع صفات الكمال منزّه عن جميع جهات النقص. وأشير إلى المنشأ الثاني بجملة : «ربّ العالمين» فانه المنعم على عباده بالخلق والإيجاد ، ثم بالتربية والتكميل. وأشير إلى المنشأ الثالث بجملة : «الرّحمن الرّحيم».
فان صفة الرحمة تستدعي الرغبة في نعمائه تعالى وطلب الخير منه. وأشير إلى المنشأ الرابع بقوله : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) ، فان من تنتهي اليه الأمور ويكون اليه المنقلب جدير بأن ترهب سطوته ، وتحذّر مخالفته. وقد يكون الوجه هو بيان أن يوم الدين هو يوم ظهور العدل والفضل الإلهيين ، وكلاهما جميل لا بد من حمده تعالى لأجله ، فكما أن أفعاله في الدنيا من الخلق والتربية والإحسان كلها أفعال جميلة يستحق عليها الحمد فكذلك أفعاله في الآخرة من العفو والغفران وإثابة المطيعين ، وعقاب العاصين كلها أفعال جميلة يستوجب الحمد بها.
ومما بيّناه يتضح أن جملة : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ليس تكرارا أتي بها للتأكيد ـ كما زعمه بعض المفسرين ـ بل هي لبيان منشأ اختصاص الحمد به تعالى فلا تغني عنه ذكرها أولا في مقام التيمّن والتبرّك ، وهو ظاهر.