فإن لهم بعدها صلاة هي أحب إليهم من آبائهم وأمهاتهم يعني صلاة العصر فإذا قاموا إليها فشدوا عليهم فاقتلوهم فنزل جبريل عليهالسلام فقال يا محمد إنها صلاة الخوف وإن الله عزوجل يقول وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فعلمه صلاة الخوف وروي عن أبي عياش الزرقي في سبب نزول هذه الآية. قال : كنا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعسفان وعلى المشركين خالد بن الوليد فصلّينا الظهر فقال المشركون لقد أصبنا غرة وفي رواية غفلة ولو حملنا عليهم وهم في الصلاة فنزلت الآية بين الظهر والعصر قوله تعالى : (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ) هذا الخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم يعني وإذا كنت يا محمد في أصحابك وشهدت معهم القتال فأقمت لهم الصلاة (فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ) يعني إذا حان وقت الصلاة وأقمتها لأصحابك فاجعلهم فرقتين فلتقف فرقة منهم معك فتصلّي بهم (وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) اختلفوا في هؤلاء الذين أمرهم الله بأخذ السلاح فقيل أراد بهم الذين قاموا معه إلى الصلاة فإنهم يأخذون أسلحتهم في الصلاة ، فعلى هذا القول إنما يأخذون من السلاح ما لا يشغلهم عن الصلاة ولا يؤذى به من إلى جنبه كالسيف والخنجر وذلك لأنه أقرب إلى الاحتياط وأمنع للعدو من الإقدام عليهم فإن كان السلاح يشغل بحركته وثقله عن الصلاة كالترس الكبير أو يؤذي من إلى جنبه كالرمح فلا يأخذه. وقيل أراد بهم الطائفة الذين بقوا في وجه العدو فإنهم يأخذون أسلحتهم للحراسة وقيل يحتمل أن يكون أمرا للفريقين بحمل السلاح لأن ذلك أقرب إلى الاحتياط (فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ) يعني إذا صلّى الذين معك وفرغوا من الصلاة فليكونوا من ورائكم يعني فلينصرفوا إلى المكان الذي هو في وجه العدو وللحراسة (وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا) يعني ولتأت الطائفة التي كان في وجه العدو (فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ) الركعة الثانية التي بقيت عليك ويتموا بقية صلاتهم (وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) يعني أن الله تعالى جعل الحذر وهو التحرز والتيقظ آلة يستعملها الغازي في دفع العدو فلذلك جعله مأخوذا مع السلاح. فإن قلت لم ذكر في أول الآية الأسلحة فقط وذكر هنا الحذر والأسلحة. قلت لأن العدو قلما ينتبه للمسلمين في أول الصلاة بل يظنون كونهم قائمين في المحاربة والمقاتلة فإذا قاموا على الركعة الثانية ظهر للكفار أن المسلمين في الصلاة فحينئذ ينتهزون الفرصة في الإقدام على المسلمين فلا جرم أن الله تعالى أمرهم في هذا الموضع بزيادة الحذر من الكفار مع أخذ الأسلحة (وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) يعني تمنى الكفار (لَوْ تَغْفُلُونَ) يعني لو وجدوكم غافلين (عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ) يعني حوائجكم التي بها بلاغكم في أسفاركم فتسهون عنها (فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً) يعني فيقصدونكم ويحملون عليكم حملة واحدة وأنتم مشتغلون بصلاتكم عن أسلحتكم وأمتعتكم فيصيبون منكم غرة فيقتلونكم.
فصل في أحكام تتعلق بالآية وصفة صلاة الخوف وفيه مسائل
المسألة الأولى : قال أبو يوسف والحسن بن زياد من أصحاب أبي حنيفة صلاة الخوف كانت خاصة بالنبي صلىاللهعليهوسلم فلا يجوز لغيره بعده فعلها ، وقال المزني من أصحاب الشافعي كانت ثابتة ثم نسخت واحتجوا لصحة هذا القول بأن الله تعالى خاطب نبيّه صلىاللهعليهوسلم فقال تعالى : (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ) وظاهر هذا يدل على أن إقامة الصلاة مشروطة بكون النبي صلىاللهعليهوسلم فيهم فدل على تخصيصه بها ولأن كلمة إذا تفيد الشرط وذهب جمهور العلماء والفقهاء إلى أن هذا الحكم لما ثبت في حق النبي صلىاللهعليهوسلم بحكم هذه الآية وجب أن يثبت في حق غيره من أمته لقوله تعالى : (فَاتَّبِعُوهُ) ولقوله صلىاللهعليهوسلم : «صلّوا كما رأيتموني أصلّي» ولأن ذلك إجماع الصحابة على فعلها وقد روي عن علي بن أبي طالب أنه صلّى صلاة الخوف بأصحابه ليلة الهرير وكذلك أبو موسى صلّى بأصحابه بطبرستان وليس لهؤلاء مخالف من الصحابة وأجيب عن قوله تعالى : (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ) بأن هذا وإن كان قد خوطب به النبي صلىاللهعليهوسلم فإن سائر أمته داخلون في هذا الحكم فهو كقوله : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) إلا أن يرد نص بتخصيصه صلىاللهعليهوسلم بحكم دون أمته كقوله تعالى : (خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) ونظير قوله (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ) قوله : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً) وإذا كان هو المخاطب بها وقد ثبت حكم أخذ الزكاة