من نكاحهن وقيل هو أن يدخل ويسلم ويهدي إن شاء ولا يتكلم بشيء ، والمقصود أنه لا حرج عليكم في التعريض للمرأة في عدة الوفاة ، ولا فيما يضمر الرجل في نفسه من الرغبة فيها (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَ) يعني بقلوبكم لأن شهوة النفس والتمني لا يخلو منه أحد ، فلما كان هذا الخاطر كالشيء الشاق أسقط عنه الحرج (وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا) اختلفوا في معنى هذا السر المنهيّ عنه فقيل هو الزنا كان الرجل يدخل على المرأة يعرض بالنكاح ومراده الزنا ويقول لها : دعيني فإذا وفيت عدتك أظهرت نكاحك ، فنهوا عن ذلك. وقيل هو قول بالرجل للمرأة لا تفوتيني نفسك فإني ناكحك. وقيل : هو أن يأخذ عليها العهد والميثاق أن لا تتزوج غيره وقيل هو أن يخطبها في العدة وقال الشافعي : السر الجماع ، وهو رواية عن ابن عباس. قال الكلبي : لا تصفوا أنفسكم لهن بكثرة الجماع ، ويدل على أن لفظ السر كناية عن الجماع قول امرئ القيس :
ألا زعمت بسباسة اليوم أنني |
|
كبرت وألا يحسن السر أمثالي |
بسباسة اسم امرأة. وإنما وقع الكناية عن الجماع بالسر لأنه مما يسر والله تعالى حييّ كريم فكنى به عن لفظ الجماع الصريح. ومعنى الآية : لا تواعدوهن مواعدة سرية أو لا تواعدوهن بالشيء الموصوف بالسرّ وقيل في معنى الآية أن الله تعالى أن أذن في أول الآية في التعريض بالخطبة ومنع في آخرها عن التصريح بالخطبة (إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً) يعني هو ما ذكر من التعريض بالخطبة. وقيل : هو إعلام ولي المرأة أنه راغب في نكاحها (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ) أي لا تحققوا العزم على عقدة النكاح في العدة حتى تنقضي وإنما سماها الله كتابا لأنها فرضت به (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ) أي فخافوه (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) لا يعجل بالعقوبة على من جاهره بالمعصية بل يستر عليه. قوله عزوجل : (لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (٢٣٦))
(لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً) أي ولم تمسوهن ولم تفرضوا لهن فريضة يعني ولم تعينوا لهن صداقا ولم توجبوه عليكم. نزلت في رجل من الأنصار تزوج امرأة من بني حنيفة ولم يسم لها صداقا ، ثم طلقها قبل أن يمسها ، فنزلت هذه الآية فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أمتعها ولو بقلنسوتك. فإن قلت : هل على من طلق امرأته جناح بعد المسيس حتى يوضع عنه الجناح قبل المسيس فما وجه نفي الحرج والجناح عنه؟ قلت ، فيه سبب قطع الوصلة : وما جاء في الحديث : «إن أبغض الحلال إلى الله الطلاق» فنفى الله الجناح عنه إذا كان الفراق أروح من الإمساك ، وقيل معناه لا حرج عليكم في تطليقهن قبل المسيس في أي وقت شئتم حائضا كانت المرأة أو طاهرا ، لأنه لا سنة في طلاقهن قبل الدخول (وَمَتِّعُوهُنَ) أي أعطوهن من مالكم ما يتمتعن به والمتعة والمتاع ما يتبلغ به من الزاد (عَلَى الْمُوسِعِ) أي الغنى الذي يكون في سعة من غناه (قَدَرُهُ) أي قدر إمكانه وطاقته (وَعَلَى الْمُقْتِرِ) أي الفقير الذي هو في ضيق من فقره (قَدَرُهُ) أي قدر إمكانه وطاقته (مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ) يعني متعوهن تمتيعا بالمعروف يعني من غير ظلم ولا حيف (حَقًّا) أي حق ذلك التمتع حقا واجبا لازما (عَلَى الْمُحْسِنِينَ) يعني إلى المطلقات بالتمتع ، وإنما خص المحسنين بالذكر لأنهم الذين ينتفعون بهذا البيان. وقيل : معناه من أراد أن يكون من المحسنين ، فهذا شأنه وطريقه. والمحسن هو المؤمن.
فصل : في بيان حكم الآية وفيه فروع
الفرع الأول : إذا تزوج امرأة ولم يفرض لها مهرا ثم طلقها قبل المسيس يجب لها عليه المتعة ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد. وقال مالك : المتعة مستحبة ولو طلقها قبل الدخول ، وقد فرض لها مهرا وجب لها عليه نصف المهر المفروض ولا متعة لها عليه.