استطاع إلى ذلك سبيلا ، وهؤلاء قد نهانا الله عن برّهم ، وتوليهم ، وموادتهم ، بل أمرنا أن نقعد لهم كل مرصد ، وأن نعدّ لقتالهم ما استطعنا من قوة ومن رباط الخيل.
والفريق الثاني : قوم كافرون ، ولكنهم لم يقاتلونا ، ولم يخرجونا من ديارنا ، ولم يظاهروا ، إما لعهد بيننا وبينهم ، وإما لأنهم قوم ضعاف لا يستطيعون حربا ، ولا قتالا ، ولا إخراجا ، ولا مظاهرة على إخراج ، وهؤلاء قد بيّن الله أنه لا ينهانا عن برّهم والإقساط إليهم.
وهناك فريق لا يعلم المؤمنون حالهم على الجزم ، وهم يظهرون الإيمان ، فهؤلاء بيّن الله حكمهم في الآيات التي معنا ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَ) إلخ نزلت هذه الآية بعد صلح الحديبية ، وقد روي أنّه صلىاللهعليهوسلم أمر عليا رضي الله عنه أن يكتب عقد الصلح ، فكتب : باسمك اللهم. هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو ، اصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين ، يأمن فيها الناس ، ويكفّ بعضهم عن بعض ، على أنّ من أتى محمدا من قريش بغير إذن وليه ردّه عليه ، ومن جاء قريشا من محمّد لم يردوه عليه ، وأن بيننا عيبة مكفوفة ، وأنّه لا إسلال ولا إغلال ، وأنه من أحبّ أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه ، ومن أحبّ أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه.
وقد نفّذ رسول الله صلىاللهعليهوسلم العهد ، فجاءه أبو جندل بن سهيل فرده ، ولم يأته أحد من الرجال إلا رده في مدة العهد ، وإن كان مسلما.
ثم جاءت المؤمنات مهاجرات ، وكانت أمّ (١) كلثوم بنت عقبة بن معيط إحدى المؤمنات الجائيات ، فخرج أخواها عمّار والوليد ، حتى قدما على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فكلّماه في أمرها ليردها إلى قريش ، فنزلت الآية ، فلم يردها صلىاللهعليهوسلم.
وقيل : نزلت الآية في امرأة تسمّى سبيعة بنت الحارث الأسلمية ، جاءت مؤمنة مهاجرة ، وطلبوا ردّها. فنزلت (٢) الآية.
وقيل : نزلت في غيرها ، ولعل سبب النزول متعدّد ، وعلى أي حال فالآية في امرأة أو نساء جئن مهاجرات بعد صلح الحديبية.
وقد منعت الآية إرجاع هؤلاء النسوة إلى الكفار. فقيل : نزلت الآية بيانا لنص العقد ، وأنه ما تناول إلّا الرجال ، غير أنّ هذا يكون من تخصيص العام بالمتأخر ، لأنّ نصّ عقد الصلح كان عاما «من جاء إلى محمد من قريش دون إذن وليه ردّه عليه»
__________________
(١) انظر أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير (٧ / ٣٧٦) ترجمة (٧٥٨٥).
(٢) رواه البخاري في الصحيح (٥ / ٨٠) ، ٦٤ ـ كتاب المغازي ، ٣٦ ـ باب غزوة الحديبية حديث رقم (٤١٨٠).