والعرض : المتاع سريع الزوال. والمراد به هنا ما يعمّ أجورهنّ التي يأخذنها على الزنى بهن ؛ وأولادهن من الزنى.
أخرج مسلم وأبو داود عن جابر رضي الله عنه (١) أنّ جارية لعبد الله بن أبي ابن سلول يقال لها مسيكة ، وأخرى يقال لها : أميمة ، كان يكرههما على الزنى ، فشكتا ذلك إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم ، فنزلت هذه الآية.
وقيل : نزلت في رجلين كانا يكرهان أمتين لهما على الزنى ، أحدهما عبد الله بن أبي.
وقيل : كان له ست جوار أكرههن على البغاء ، وضرب عليهن ضرائب ، فشكت اثنتان منهن إلخ.
وعن علي وابن عباس أن أهل الجاهلية كانوا يكرهون إماءهم على الزنى ، يأخذون أجورهن ، فنهوا عن ذلك في الإسلام ، ونزلت الآية.
وعلى جميع الروايات لا سبيل إلى تخصيص الآية بمن نزلت فيه ، بل هي عامة في سائر المكلّفين ، لأنّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
قد يقال : إنّ النهي عن الإكراه هنا مقيّد بأمرين : الأول : أنّهنّ يردن التحصن.
والثاني : أنّهم يبتغون عرض الحياة الدنيا ، فيلزم القائلين بالمفهوم أنّ الإكراه على الزنى جائز إذا لم يردن التحصن ، أو لم يقصدوا به عرض الحياة الدنيا ، والإكراه على الزنى غير جائز بحال من الأحوال إجماعا.
والجواب عن ذلك من وجوه :
الأول : أنّ الشرط لم يقصد به تخصيص النهي بحالة وجوده ، وإخراج ما عداها من حكمه ، بل قصد به النص على عادة من نزلت فيهم الآية ، حيث كانوا يكرهونهنّ على البغاء ، وهن يردن التعفف عنه. ومعلوم أنّه لا يعمل بمفهوم القيد إلا حيث لا يكون له فائدة غير المفهوم ، فإذا ظهر له فائدة غير المفهوم ، فلا اعتبار بمفهومه.
وهنا قد ظهر للشرط فائدة ، وهي أنّ في التنصيص على تعفف الإماء توبيخا لسادتهم ، وتقبيحا لحالهم ، حيث لم يبلغوا في محاسن الآداب والترفع عن الدنيا مبلغ الفتيات المبتذلات ، مع وفور شهوتهن ، ونقصان عقلهن ، وقصور باعهن في معرفة محاسن الأمور. وكذلك قوله تعالى : (لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا) لم يقصد به التنصيص على هذه الحالة لإخراج ما عداها من الحكم ، وإنما جيء به ليسجّل عليهم عادة كانت
__________________
(١) رواه مسلم في الصحيح (٤ / ٢٣٢٠) ، ٥٤ ـ كتاب التفسير ، ٣ ـ باب قوله تعالى : (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ) حديث رقم (٢٦ / ٣٠٢٩) ، وأبو داود في السنن (٢ / ٢٧٨) ، كتاب الطلاق ، باب في تعظيم الزنى حديث رقم (٢٣١١).