وما روي عن ابن عباس وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنهما قالا : سجدة التلاوة في الحج هي الأولى ، والثانية سجدة الصلاة.
قالوا : وهذا المروي عن ابن عباس وابن عمر هو تأويل ما روي عن عقبة بن عامر على فرض صحته ، مع أنّ فيه مقالا ، وكذا في حديث عمرو بن العاص ، وإليك ما قيل فيهما :
أما حديث عقبة فقال الترمذي وأبو داود وغيرهما : إن إسناده ليس بالقوي ، قالوا : لأنّ فيه عبد الله بن لهيعة ، وقال الحاكم : إن عبد الله بن لهيعة أحد الأئمة ، وإنما نقم اختلاطه في آخر عمره.
وأما حديث عمرو بن العاص فقيل فيه : إنّه ضعيف أيضا ، لأنّ في سنده عبد الله بن منين الذي قال فيه عبد الحق : إنّه لا يحتج به ، وقال ابن القطان : إنه مجهول ، لا يعرف له حال. وقالا أيضا : إنّ الراوي عن ابن منين هو الحارث بن سعيد العتقي المصري وهو لا يعرف أيضا ا ه.
قال الله تعالى : (وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٧٨))
الجهاد : هو بذل الطاقة ، واستفراغ الوسع في مدافعة العدو ، وهو قسمان عظيمان ، تحت كل منهما أنواع ، فالقسم الأول جهاد العدو الباطن ، وتحته نوعان :
١ ـ جهاد النفس.
٢ ـ جهاد الشيطان.
والقسم الثاني : جهاد العدو الظاهر ، وتحته ثلاثة أنواع :
١ ـ جهاد الكفار.
٢ ـ جهاد المنافقين.
٣ ـ جهاد أهل الظلم والبدع والضلالات الاعتقادية والعملية.
فالجهاد في القسم الأول يكون بمخالفة هوى النفس ، ومدافعة وساوس الشيطان. وهذا هو أصل الجهاد ، وأشدّ أنواعه ، وهو الجهاد الأكبر ، كما روي أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم لما عاد من غزوة تبوك قال : «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر» (١) ولهذا كان فرض عين على كل فرد ، لا يغني فيه أحد عن أحد شيئا ، وفرضيته ثابتة من مبدأ الإسلام.
__________________
(١) حديث ضعيف ، انظر الأسرار المرفوعة للملا علي القاري حديث رقم (٢١١).