طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (١٢٢))
(فَلَوْ لا) للتحضيض ، وهي داخلة هنا على الماضي ، فتفيد التوبيخ والتنديد على ترك الفعل فيما مضى ، والأمر به في المستقبل.
والفرقة والطائفة بمعنى ، لكنّ سياق الكلام هنا ، و (مِنْ) التبعيضية ، يقتضيان أنّ المراد بالفرقة هنا الجماعة الكثيرة ، وأن الطائفة جماعة أقل من الفرقة المرادة هنا.
وعن السلف في سبب نزول هذه الآية روايتان :
فروى الكلبي (١) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الله تعالى لما شدّد على المتخلفين قالوا : لا يتخلف منا أحد عن جيش أو سرية أبدا ، ففعلوا ذلك ، وبقي رسول الله صلىاللهعليهوسلم وحده ، ونزل قوله تعالى : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا) الآية.
وأخرج ابن جرير (٢) وابن المنذر عن مجاهد أنه قال : إنّ ناسا من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم خرجوا في البوادي ، فأصابوا من الناس معروفا ، ومن الخصب ما ينتفعون به ، ودعوا من وجدوا من الناس إلى الهدى ، فقال لهم الناس : ما نراكم إلا قد تركتم أصحابكم وجئتمونا ، فوجدوا في أنفسهم من ذلك تحرّجا ، وأقبلوا من البادية كلهم حتى دخلوا على النبي صلىاللهعليهوسلم ، فنزلت هذه الآية : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا) إلخ.
هاتان روايتان مختلفتان في سبب النزول ، فرواية ابن عباس تجعل النفر المنهي عنه هو نفر المؤمنين جميعا للجهاد. نهوا عن ذلك لما يترتب عليه من الإخلال بالتعلم ، فكما أنّ الجهاد فرض في الدين ، كذلك تلقي العلم عن الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وأخذ الأحكام المتجددة عنه فرض من فروض الدين ، فلا ينبغي أن يكون في إقامة أحد الفرضين ، إخلال بالآخر ومن الميسور أن نجمع بين الفرضين ونؤدّي كلّا من الواجبين ، وطريق ذلك أن تنفر للجهاد طائفة من كل فرقة ، وتبقى طائفة أخرى تتفقه في الدين ، وتسمع من الرسول صلىاللهعليهوسلم ، حتى إذا رجع إليهم إخوانهم من الغزو ، علموهم ما تلقوه من أحكام الدين. وعلى هذا المعنى : لا يكون قوله تعالى : (لِيَتَفَقَّهُوا) متعلقا بنفر ، لأن النفر للجهاد ليس علة في التفقه.
وإنما هو متعلق بفعل مفهوم من الكلام ، إذ المعنى لتنفر من كل فرقة طائفة
__________________
(١) محمد بن السائب بن بشر بن عمرو بن الحارث الكلبي ، أبو النضر ، نسبابة ، عالم بالتفسير والأخبار وأيام العرب ، ولد في الكوفة وتوفي فيها ، انظر الأعلام للزركلي (٦ / ١٣٣).
(٢) في تفسيره جامع البيان ، المشهور بتفسير الطبري (١١ / ٤٨).