(وَلا تَعْتَدُوا
إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ). أي : لا تعتدوا بتحريم الطيبات ، ويحتمل أن يكون
المعنى لا يحملنكم النهي عن تحريم الطيبات إلى استعمالها على وجه الإسراف ، على حد
قوله تعالى : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا
وَلا تُسْرِفُوا) [الأعراف : ٣١] ويحتمل أن يكون المراد : اقتصروا على ما أحل الله لكم من
الطيبات ، ولا تجاوزوها إلى ما حرّم عليكم.
(وَكُلُوا مِمَّا
رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ
مُؤْمِنُونَ (٨٨)) أي كلوا ما أحلّ لكم وطاب مما رزقكم الله. (فحلالا)
مفعول (لكلوا) و (مما رزقكم الله) حال منه ، وسوغ مجيئها من النكرة تقدّمها عليها.
ويستدل بالآية
على أن الرزق اسم يتناول الحلال والحرام ، ولو كان خاصا بالحلال لما كان لوصفه به
كبير فضل.
وتذييل الآية
بقوله : (وَاتَّقُوا اللهَ) بعث على المحافظة على ما أوصاهم به ، والمداومة عليه ،
وقد أمر الله بالتقوى عقب النهي عن تحريم الطيبات ، والأمر بالأكل من الرزق الطيب
الحلال ، ليشعرنا أنه لا منافاة بين التلذذ بالطيبات من الرزق وبين. التقوى ، غير
أنّه يجب أن تكن تقوى الله رائدنا فيما نقدم عليه من عمل ، فلا نسرف ، ولا نقتر ،
ولا نضارّ أحدا.
والآية بعمومها
دليل على حرمة الرهبانية.
وقد جاء النهي
عنها صريحا في «القرآن» وفي السنة ، فقد صرح «القرآن» بأن الرهبانية مبتدعة.
وجاء في السنة
من طرق كثيرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «من كان موسرا لأن ينكح فلم ينكح فليس مني» والآية
على هذا في معنى قوله تعالى : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ
زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ) [الأعراف : ٣٢].
قال الله تعالى
: (لا يُؤاخِذُكُمُ
اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ
الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما
تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ
يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ
وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ
تَشْكُرُونَ (٨٩))
قيل في سبب
نزول هذه الآية ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنهم لما حرّموا الطيبات من
المآكل والمناكح والملابس. حلفوا على ذلك فأنزل الله تعالى هذه الآية .
__________________