التبليغ ، بخلاف قوله تعالى : (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) [سورة إبراهيم ، الآية : ١] ، فإنّه تعالى قيّده بالإذن ، ليخرجه عن الاستقلال في السببيّة.
وكيف كان ، فإنّ الهداية من الأمور العظيمة في حياة الإنسان الماديّة والمعنويّة ، الدنيويّة والاخرويّة ، وتحتاج إلى العلم بجميع خصوصيات المهتدين وما يوجب الهداية وأثرها ، وهذا لا يمكن أن يتحقّق من غير الله تعالى ، فإنّ له السلطة التكوينيّة والتشريعيّة على خلقه ، إلّا إذا أفاض عزوجل شيئا منها على بعض المخلصين من عباده ، فيكون المراد من الإذن في الآية المباركة التوفيق الخاصّ الذي يتوقّف على العلم ، فحينئذ لا فرق بين أن يكون المراد من الإذن هو التوفيق أو العلم ، كما ذكره بعض المفسّرين.
قوله تعالى : (وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).
تقدّم الكلام في الصراط المستقيم في سورة الفاتحة ، وذكرنا أنّه الصراط الموصل إلى دين الحقّ ، لا يضل سالكه ، وهو أقرب إلى الله تعالى ، وهو عين الهداية ، وفيه اجتمعت العلّة الفاعليّة والغائيّة من الإسلام ودين الحقّ المهيمن على الطرق كلّها ، فالهداية إليه هداية عامّة مهيمنة على سائر أفراد الهداية التي تتعلّق بالسبل الجزئية ، وهي التي تتّحد في الهداية إلى الصراط المستقيم ، فهذه الهداية هي الهدف من الهداية إلى السبل الجزئيّة. ولعلّ التنكير في الآية المباركة يرشد إلى ذلك ، أو لتعظيم شأن الصراط المستقيم وتفخيم أمره.
كما أنّ تكرار لفظ الهداية إمّا لأجل حيلولة قوله تعالى : (يُخْرِجُهُمْ) بين الهدايتين ، أو لبيان أنّ الهداية الثانية هي المهيمنة على الاولى ، أو لأجل أنّ الاولى هي الموجبة للهداية الثانية.
قوله تعالى : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ).
بيان لكفر النصارى ، وما كفروا به خاصّة بعد إقامة الحجّة على أهل الكتاب