ولا فرق في الغيبة بين أن يكون بقصد الانتقاص أو لم يكن كذلك لإطلاق ما يأتي من الأدلّة ، كما لا فرق في العيب المستور بين أن يكون في بدنه ، أو في خلقه ، أو في نسبه ، أو في قوله ، أو في دينه ، أو دنياه. وسواء كان الذكر بالقول أو الكتابة أو بالحكاية بوجود العيب في الشخص المغتاب (بالفتح) ، كالإشارات والتمثيليات ، ففي جميع ذلك تتحقّق الغيبة.
وتدلّ على أنّها أم الرذائل الأخلاقيّة ومن المعاصي الكبيرة الأدلّة الأربعة :
فمن الكتاب قوله تعالى : (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) [سورة الحجرات ، الآية ١٢]. فشبّه سبحانه وتعالى لما يناله المغتاب (بالكسر) من عرض المغتاب (بالفتح) بأفحش وجه كما هو معلوم. وقال تعالى : (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) ، أي : الّذي لا يبالي بالغيبة وهتك أعراض الناس. وقال تعالى : (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ) ، فإنّ الجهر بالسوء سواء كان أمام الطرف أو خلفه مبغوض عند الله تعالى ، وإنّ إطلاق السوء فيها كما يشمل الغيبة والبهتان يشمل الكذب ، بل يشمل ترك التقيّة المكلّف بها أيضا ؛ فإنّه سوء للعامل أو الفاعل.
ومن السنّة روايات كثيرة بلغت حدّ التواتر ، فعن نبيّنا الأعظم صلىاللهعليهوآله : «من اغتاب امرءا مسلما بطل صومه ونقض وضوؤه وجاء يوم القيامة تفوح من فيه رائحة من الجيفة يتأذّى بها أهل الموقف ، وإن مات قبل أن يتوب مات مستحلا لما حرّمه الله تعالى» ، المحمول في بطلان الصوم ونقض الوضوء على المرتبة النازلة من الكمال ، أو على الاستحباب بالقضاء أو التجديد ، والمراد من الاستحلال عدم المبالاة في ارتكاب الغيبة.
وعن الصادق عليهالسلام : «الغيبة أسرع في دين الرجل المسلم من الأكلة في جوفه» ، الى غير ذلك من الروايات المذكورة في كتب الأحاديث.
ومن الإجماع ما هو مسلّم بين المسلمين بجميع مذاهبهم ، بل عدّ حرمتها من الضروريات الدينيّة.