الأوّل : أنّها ابتهاج الذات بالذات ، وقد اختاره جمع من محقّقي العلماء ، وقال بعض الفلاسفة :
فحيث ذاته أجلّ مدرك |
|
أتم إدراك لأبهى مدرك |
مبتهج بذاته بنهجه |
|
أقوى ومن له بشيء بهجة |
مبتهج بما يصير مصدره |
|
من حيث إنّه يكون أثره |
وعن شيخنا المتألّه المحقّق الشيخ محمد حسين الغروي الاصفهاني ، قال قدس سرّه في بيان هذا القول : «ومن البيّن أنّ مفهوم الإرادة ـ كما هو مختار الأكابر من المحقّقين ـ هو الابتهاج والرضا وما يقاربها مفهوما ، ويعبّر عنه بالشوق الأكيد فينا ، والسرّ في التعبير عنها بالشوق فينا ، وبصرف الابتهاج والرضا فيه تعالى إنّما لمكان أننا ناقصون غير تامّين في الفاعليّة ، وفاعليّتنا لكلّ شيء بالقوّة ، فلذا نحتاج في الخروج من القوّة إلى الفعل إلى امور زائدة على ذواتنا ، من تصوّر الفعل والتصديق بفائدته والشوق الأكيد ، المملية جميعا للقوّة الفاعلة المحرّكة للعضلات ، بخلاف الواجب تعالى ، فإنّه لتقدّسه عن شوائب الإمكان وجهات القوّة والنقصان ، فاعل وجاعل بنفس ذاته العليمة المريدة ، وحيث إنّه صرف الوجود ، وصرف الوجود صرف الخير ، فهو مبتهج بذاته أتمّ ابتهاج وذاته مرضية لذاته أتمّ الرضا ، وينبعث من هذا الابتهاج الذاتي ـ وهي الإرادة الذاتية ـ ابتهاج في مرحلة الفعل ، وهي التي وردت الأخبار عن الأئمة الطاهرين (سلام الله تعالى عليهم) بحدوثها» ، وبناء على هذا القول تكون الإرادة صفة تقابل سائر الصفات العليا ، فلا ترجع إلى العلم حينئذ ، فتكون في مرحلة الذات عين ذاته عزوجل ، وفي مرتبة الفعل لصدور الإيجاد ، فتكون حادثة.
وأشكل عليه : بأنّ الإرادة غير الشوق والابتهاج عندنا ، لما نراه في تناول الأدوية والأفعال العادية والجزافيّة والعبثيّة ، وأمّا الابتهاج في حقّه تعالى ، فهو بريء عنه ؛ لأنّه منزّه عن الجسم والجسمانيّات ، إلا أن يراد فيه عزوجل معنى آخر غير ما نجده في أنفسنا.