وعموم الآية الشريفة يشمل جميع أنحاء الشرك الجلّي منه والخفيّ ، وجميع أقسامه إن كان الشرك عن عقيدة واختيار ، فلا يشمل ما لو كان الشرك بالقسوة كالإكراه والاضطرار ، ولعلّ التعبير بالمبنيّ للمجهول (أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) ؛ للإشارة إلى ذلك ، وفيه إيماء أيضا إلى أنّ الشرك قد يتحقّق وإن لم يعلم صاحبه به ، فلا بد من الرجوع إلى الإسلام وتعاليمه ودين الحقّ لدفع ذلك.
وقد بيّن عزوجل السبب في عدم غفرانه للشرك في هذه الآية الكريمة بأنّ فيه الافتراء وارتكاب الإثم العظيم ، كما بيّن سببا آخر في الآية المباركة التي هي نظير هذه الآية ، وهو أنّ الشرك يوجب الضلال والغواية ؛ لأنّ كلّ ما يتوهّمه المشركون هو افتراء وكذب ، فإنّ فطرتهم تنادي بالوهيّة الله الواجب الوجود.
وأما قوله تعالى : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ) ، فهو يدلّ على أنّ غير الشرك من المعاصي والآثام هي دون الشرك وإن اختلفت في الدرجات ، لكنّها لا تمنع من تعلّق غفرانه عزوجل بها ، فإنّها مهما بلغت في العظمة لا تصل إلى درجة الشرك الذي هو ظلم عظيم لا يغفره ربّ العالمين ؛ لأنّه تصرّف في سلطانه ، بخلاف غير الشرك من الكبائر ، فإنّ سعة رحمته عزوجل تشمل جميع الذنوب ، وهي تتضمّن السبب في غفرانها ؛ لأنّها دون الشرك ، هذا إذا لم تصدر توبة من فاعلها ، وإلا فإنّ الذنوب جميعها ـ الشرك وغيره ـ مغفورة مع تحقّق التوبة بمقتضى وعده عزوجل : (إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) [سورة الزمر ، الآية : ٥٣] ، وقوله تعالى : (كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) [سورة الانعام ، الآية : ١٢].
وتقدّم في بعض الآيات المباركة معنى غفران الذنوب ، وذكرنا أنّ الغفران هو ستر الذنوب ومحو آثارهم ، وممّا ذكرنا يظهر فساد ما ذكره جمع من المفسّرين في تفسير هذه الآية الكريمة مع أنّها بعيدة عن سياقها ، بل بعضها ينافي قداسة القرآن.
وقد ذكرنا ما يتعلّق بقوله تعالى : (لِمَنْ يَشاءُ) ، فإنّ لهذه الكلمة وقعا