الحمأة ، وقال الجمهور : هو من صلّ : إذا صوّت ، وذلك في الطين لجودته ، فهي إشارة إلى ما كان في تربة آدم من الطين الحرّ ؛ وذلك أنّ الله تعالى خلقه من طين مختلف ، فمرّة ذكر في خلقه هذا ، ومرّة هذا ، وكلّ ما في القرآن صفات ترددت على التراب الذي خلق منه ، و «الفخّار» : الطين الطّيّب إذا مسّه الماء فخر ، أي : ربا وعظم ، والجانّ : اسم جنس كالجنّة ، قال الفخر : وفي الجانّ وجه آخر : أنّه أبو الجنّ ، كما أنّ الإنسان هنا أبو الإنس خلق من صلصال ، ومن بعده خلق من صلبه. كذلك الجانّ هنا أبو الجنّ خلق من نار ، ومن بعده من ذرّيّته ، انتهى ، و «المارج» : اللهب المضطرب من النار ، قال ابن عبّاس (١) : وهو أحسن النار المختلط من ألوان شتّى ، قال أبو حيّان (٢) : المارج المختلط من أصفر ، وأخضر ، وأحمر ، انتهى.
وكرّر سبحانه قوله : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) ؛ تأكيدا وتنبيها للنفوس ، وتحريكا لها ، وهذه طريقة من الفصاحة معروفة ، وهي من كتاب الله في مواضع ؛ وفي حديث النبي صلىاللهعليهوسلم ، / وفي كلام العرب ، وذهب قوم إلى أنّ هذا التكرار إنّما هو لما اختلفت النعم المذكورة كرّر التوقيف مع كلّ واحدة منها ، قال* ع (٣) * : وهذا حسن ، وقال الحسين بن الفضل : التكرار لطرد الغفلة ، وللتأكيد (٤) ، وخصّ سبحانه ذكر المشرقين والمغربين بالتشريف في إضافة الرب إليهما ؛ لعظمهما في المخلوقات.
* ت* : وتحتمل الآية أن يراد المشرقين والمغربين وما بينهما كما هو في «سورة الشعراء» واختلف الناس في (الْبَحْرَيْنِ) ؛ قال* ع (٥) * : والظاهر عندي أنّ قوله تعالى : (الْبَحْرَيْنِ) يريد بهما نوعي الماء العذب والأجاج ، أي : خلطهما في الأرض ، وأرسلهما متداخلين في وضعهما في الأرض ، قريب بعضهما من بعض ، ولا بغي ، قال* ع (٦) * : وذكر الثعلبيّ في (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ) ألغازا وأقوالا باطنة يجب ألّا يلتفت إلى شيء منها.
__________________
(١) أخرجه الطبري (١١ / ٥٨٤) برقم : (٣٢٩٤٥) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٢٢٦) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٢٧١)
(٢) ينظر : «البحر المحيط» (٨ / ١٨٩)
(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٢٢٦)
(٤) ذكره ابن عطية (٥ / ٢٢٦)
(٥) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٢٢٧)
(٦) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٢٢٧)