الحطب حتى اجتمع منه ما شاء الله ، ثم أضرم نارا فلما أرادوا طرح إبراهيم فيها لم يقدروا على القرب منها ، فجاءهم إبليس في صورة شيخ فقال لهم : أنا أصنع لكم آلة يلقى بها ، فعلّمهم صنعة المنجنيق ، ثم أخرج إبراهيم عليهالسلام فشد رباطا ، ووضع في كفّة المنجنيق ، ورمي به ، فتلقّاه جبريل ـ عليهالسلام ـ في الهواء فقال له : ألك حاجة؟ فقال : أمّا إليك فلا ، وأمّا إلى الله فبلى.
قلت : قال ابن عطاء الله في «التنوير» : وكن أيّها الأخ إبراهيميّا ؛ إذ زجّ به في المنجنيق ، فتعرّض له جبريل فقال : ألك حاجة؟ فقال : أما إليك فلا ، وأما إلى ربي ، فبلى ، قال : فاسأله. قال : حسبي من سؤالي علمه بحالي ، فانظر كيف رفع همّته عن الخلق ، ووجّهها إلى الملك الحقّ ، فلم يستغث بجبريل ، ولا احتال على السؤال ، بل رأى ربّه تعالى أقرب إليه من جبريل ومن سؤاله ؛ فلذلك سلّمه من نمرود ونكاله ، وأنعم عليه بنواله وأفضاله. انتهى.
وقوله سبحانه : (قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً) قال بعض العلماء فيما روي : إنّ الله تعالى لو لم يقل : (وَسَلاماً) لهلك إبراهيم من برد النار ، وروي أنّه لما وقع في النار سلّمه الله ، واحترق الحبل الذي ربط به ، وقد أكثر الناس في قصصه فاختصرناه ؛ لعدم صحّة أكثره ، وروي : أنّ إبراهيم عليهالسلام كان له بسط وطعام في تلك النار كلّ ذلك من الجنة ، وروي : أنّ العيدان أينعت وأثمرت له هناك ثمارها ، وروي : أنهم قالوا : إنّ هذه نار مسحورة ، لا تحرق ، فرموا فيها شيخا منهم فاحترق ، والله أعلم بما كان من ذلك.
قلت : قال صاحب «غاية المغنم في اسم الله الأعظم» وهو من الأئمة المحدثين ، وعن الإمام أحمد بن حنبل رحمهالله : إنه يكتب للمحموم ويعلّق عليه : بسم الله الرحمن الرحيم ، يا الله يا الله محمد رسول الله صلىاللهعليهوسلم (يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ* وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ) ، اللهم ربّ جبريل وميكائيل اشف حاملها بحولك وقوتك وجبروتك يا أرحم الراحمين. انتهى.
وقوله : (وَسَلاماً) معناه : وسلامة ، و «الكيد» : هو ما أرادوه من حرقه.
(وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ (٧١) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنا صالِحِينَ (٧٢) وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ (٧٣) وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ (٧٤) وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُ