الْعُلَماءُ) ، أي : المحصلون لهذه العبر ، الناظرون فيها ، / وفي الحديث عن النبي صلىاللهعليهوسلم : (١) «أعلمكم بالله أشدّكم له خشية» ؛ وقال صلىاللهعليهوسلم «رأس الحكمة مخافة الله» (٢).
وقال الربيع بن أنس : من لم يخش الله فليس بعالم (٣) ، وقال ابن عباس في تفسير هذه الآية : كفى بالزهد علما (٤) ، ويقال : إن فاتحة الزبور : «رأس الحكمة خشية الله» وقال ابن مسعود (٥) : كفى بخشية الله علما ، وبالاغترار به جهلا.
وقال مجاهد والشعبي (٦) : إنما العالم من يخشى الله. و (إِنَّما) في هذه الآية تحضيض للعلماء ؛ لا للحصر. قال ابن عطاء الله في «الحكم» : العلم النافع هو الذي ينبسط في الصدر شعاعه ، ويكشف به عن القلب قناعه ، خير العلم ما كانت الخشية معه ؛ والعلم إن قارنته الخشية فلك ؛ وإلا ؛ فعليك.
وقال في «التنوير» : أعلم أن العلم ؛ حيث ما تكرّر في الكتاب العزيز أو في السنة ؛ فإنما المراد به العلم النافع الذي تقارنه الخشية وتكتنفه المخافة : قال تعالى : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) فبيّن سبحانه أنّ الخشية تلازم العلم ، وفهم من هذا أن العلماء إنما هم أهل الخشية. انتهى.
قال ابن عباد في «شرح الحكم» : واعلم أن العلم النافع المتفق عليه فيما سلف وخلف ؛ إنما هو العلم الذي يؤدي صاحبه إلى الخوف ، والخشية ، وملازمة التواضع ، والذّلّة ، والتخلّق بأخلاق الإيمان ، إلى ما يتبع ذلك من بغض الدنيا ، والزهادة فيها ، وإيثار الآخرة عليها ، ولزوم الأدب بين يدي الله تعالى ، إلى غير ذلك من الصفات العليّة والمناحي السنيّة. انتهى. وهذه المعاني كلها محصّلة في كتب الغزالي وغيره ؛ رضي الله عن جميعهم ، ونفعنا ببركاتهم.
__________________
(١) قال الزيلعي في «تخريج أحاديث الكشاف» (٣ / ١٥٢) : غريب ، وذكره الثعلبي هكذا.
(٢) أخرجه القضاعي في «مسند الشهاب» (١١٦) عن عقبة بن عامر ، وأخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (١ / ٤٧٠ ـ ٤٧١) رقم (٧٤٤) من حديث ابن مسعود ، وضعفه البيهقي.
(٣) ذكره ابن عطية (٤ / ٤٣٧)
(٤) ذكره ابن عطية (٤ / ٤٣٧)
(٥) ذكره ابن عطية (٤ / ٤٣٧) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٤٧٠) ، وعزاه لابن أبي شيبة ، وأحمد في «الزهد» ، وعبد بن حميد ، والطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه.
(٦) ذكره البغوي (٣ / ٥٧٠) ، وابن عطية (٤ / ٤٣٧) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٤٧٠) ، وعزاه لابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد عن مجاهد.