ومعنى الآية : إنّ ذلك اليوم لشدّة هوله القلوب والأبصار فيه مضطربة قلقة متقلبة.
قلت : ومن «الكلم الفارقية» : سعادة القلب إقباله على مقلّبه والعالم بحال مآله ومنقلبه ، القلوب بحار جواهرها المعارف ، وسواحلها الألسنة وغواصها الفكرة النافذة ، غوّاص بحر الصور يغوص بصورته في طلب مكسبه ، والعارف يغوص بمعنى قلبه في بحار غيب ربّه ، فيلتقط جواهر الحكمة ودرر الدّراية ، قلوب العارفين كالبحار ، تنعقد في أصداف ضمائرهم جواهر المعارف والأسرار ، القلوب كالأراضي إلى من أسلمت إليه قلبك بذر فيه ما عنده ، أمّا من بذر نفسه ووسواسه العفن المسوس ، أو بذر فيه معرفته بالرب المقدس ، انتهى.
قلت : فإن أردت سلامتك في ذلك اليوم فليكن قلبك الآن مقبلا على طاعة مولاك ؛ فإنه يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلّا من أتى الله بقلب سليم.
قال الواحديّ : تتقلب فيه القلوب بين الطمع في النجاة والخوف من الهلاك ، والأبصار تتقلّب في أيّ ناحية يؤخذ بهم أذات اليمين أم ذات الشمال ، ومن أيّ جهة يؤتون كتبهم ، انتهى.
(لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٣٨) وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (٣٩) أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) (٤٠)
وقوله سبحانه : (لِيَجْزِيَهُمُ) أي فعلوا ذلك ليجزيهم «أحسن ما عملوا» أي : ثواب أحسن ما عملوا ، ولمّا ذكره تعالى حالة المؤمنين وتنويره قلوبهم عقّب ذلك بذكر الكفرة وأعمالهم ، فقال : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ) وهي جمع قاع ، والقاع : المنخفض البساط من الأرض ، ويريد ب (جاءَهُ) : جاء موضعه الذي تخيّله فيه ، ويحتمل أن يعود الضمير في : (جاءَهُ) على السراب ثم يكون في الكلام بعد ذلك متروك يدلّ عليه الظاهر تقديره : فكذلك الكافر يوم القيامة ، يظنّ عمله نافعا حتى إذا جاءه لم يجده شيئا.
وقوله : (وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ) أي بالمجازات والضمير في (عِنْدَهُ) عائد على العمل ، وباقي الآية وعيد بيّن.