وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) : الذين آمنوا : لفظ عامّ لكلّ مؤمن من ملّة نبيّنا محمّد صلىاللهعليهوسلم ومن غيرها من الملل ، فكأنّ ألفاظ الآية حصر بها الناس كلّهم ، وبيّنت الطوائف على اختلافها ، وهذا هو تأويل الجمهور ، وقد مضى الكلام في «سورة البقرة» ، فراجعه هناك ، وقرأ الجمهور : «والصّابئون» ، وقرىء خارج السبعة (١) : «والصّابئين» ، وهي بيّنة الإعراب ، وأما على قراءة الجمهور ، فاختلف في إعرابها ، ومذهب سبيويه ، والخليل ، ونحاة البصرة : أنه من المقدّم الذي معناه التأخير ، كأنّه قال : إنّ الذين آمنوا والذين هادوا ، من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا ، فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، والصّابئون والنصارى كذلك.
قال ص : ووجه ثان أنّ خبر «إنّ» محذوف ، أي : إنّ الذين آمنوا لهم أجرهم ، وخبر «الصّابئين» : (مَنْ آمَنَ) وما بعده ، قال ابن عصفور ؛ وهو حسن جدّا ؛ إذ ليس فيه أكثر من حذف خبر «إنّ» ؛ للفهم ، وهو جائز في فصيح الكلام. انتهى.
قلت : قال ابن مالك : وهو أسهل من التقديم والتأخير ، وقيل : إن الصابئين في موضع نصب ، ولكنه جاء على لغة بلحارث الذين يجعلون التثنية بالألف على كل حال ، والجمع بالواو على كلّ حال ؛ قاله أبو البقاء ، وقيل غير هذا.
(وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تابَ اللهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (٧١) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (٧٢) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٣) أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧٤) مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)(٧٥)
__________________
(١) وهي قراءة عثمان ، وأبي بن كعب ، وعائشة ، وسعيد بن جبير ، والجحدري ، كما في «المحتسب» (١ / ٢١٧).
وينظر : «الكشاف» (١ / ٦٦٢) ، و «المحرر الوجيز» (١ / ٢١٩) ، و «البحر المحيط» (٣ / ٥٤١) ، و «الدر المصون» (٢ / ٥٧٦)