خاصّة منها ، وتردّ العينان في القفا ، فيكون ذلك ردّا على الأدبار ، ويمشي
القهقرى ، وقال مالك (رحمهالله) : كان أول إسلام كعب الأحبار ؛
أنّه مرّ برجل من الليل ، وهو يقرأ هذه الآية : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا ...) الآية ، فوضع كفّيه على وجهه ، ورجع القهقرى إلى بيته ،
فأسلم مكانه ، وقال : «والله ، لقد خفت ألّا أبلغ بيتي ، حتى يطمس وجهي» ، وأصحاب السّبت : هم الذين اعتدوا في السّبت في الصّيد
؛ حسبما تقدّم ، قال قتادة وغيره : وأمر الله في هذه الآية واحد الأمور دالّ على
جنسها لا واحد الأوامر ، فهي عبارة عن المخلوقات ؛ كالعذاب ، واللّعنة هنا ، أو ما
اقتضاه كلّ موضع ممّا يختصّ به .
وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ
بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ ...)
الآية : هذه
الآية هي الحاكمة ببيان ما تعارض من آيات الوعد والوعيد ، وتلخيص الكلام فيها أن
يقال : النّاس أربعة أصناف : كافر مات على كفره ، فهذا مخلّد في النّار ؛ بإجماع ،
ومؤمن محسن لم يذنب قطّ ، ومات على ذلك ، فهذا في الجنة محتوم عليه حسب الخبر من
الله تعالى ، بإجماع ، وتائب مات على توبته ، فهو عند أهل السّنّة وجمهور فقهاء
الأمّة لاحق بالمؤمن المحسن ، إلّا أنّ قانون المتكلّمين أنّه في المشيئة ، ومذنب
مات قبل توبته ، فهذا هو موضع الخلاف ، فقالت المرجئة : هو في الجنّة بإيمانه ،
ولا تضرّه سيئاته ، وجعلوا آيات الوعيد كلّها في الكفّار ، وآيات الوعد عامّة في
المؤمنين ؛ تقيّهم وعاصيهم ، وقالت المعتزلة : إذا كان صاحب كبيرة ، فهو في النّار
، ولا بدّ ، وقالت الخوارج : إذا كان صاحب كبيرة ، أو صغيرة ، فهو في النّار مخلّد
، ولا إيمان له ؛ لأنهم يرون كل الذنوب كبائر ، وجعلوا آيات الوعد كلّها في المؤمن
الذي لم يعص قطّ ، والمؤمن التائب ، وقال أهل السّنّة : هو في المشيئة ، وهذه
الآية هي الحاكمة ، وهي النصّ في موضع النّزاع ، وذلك
__________________