الجواز ، إمّا في زمن متأخر عن المنع الذي كان في ابتداء الأمر ، أو في شئون لا تمسّ أحكام الشريعة في مثل القصص والتواريخ ، أو فيما لم تمسّه يد التحريف وقد توافق مع ما جاء به القرآن الكريم ، أو نحو ذلك.
هذا ابن تيميّه يذكر عن السدّيّ الكبير (هو أبو محمّد إسماعيل بن عبد الرحمن الكوفي توفّي سنة ١٢٧) أنه كان في بعض الأحيان ينقل ما يحكى من أقاويل أهل الكتاب ، التي أباحها ـ فيما زعم ـ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حيث قال : بلّغوا عني ولو آية ، وحدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، ومن كذب عليّ متعمدا فليتبوّأ مقعده من النار (١) ، رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص. ولهذا كان عبد الله بن عمرو قد أصاب يوم اليرموك زاملتين (٢) من كتب أهل الكتاب ، فكان يحدّث منهما ، بما فهمه من هذا الحديث من الإذن في ذلك (٣).
قال : ولكن هذه الأحاديث الإسرائيليّة تذكر للاستشهاد لا للاعتقاد ، فإنها على ثلاثة أقسام :
أحدها : ما علمنا صحّته ممّا بأيدينا ممّا يشهد له بالصدق.
والثاني : ما علمنا كذبه بما عندنا مما يخالفه.
والثالث : ما هو مسكوت عنه ، لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل ، فلا نؤمن به ولا نكذّبه ، وتجوز حكايته ، لما تقدم (٤). وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني ولهذا اختلف علماء أهل الكتاب في مثل هذا كثيرا ، في مثل أسماء أهل
__________________
(١) رواه البخاري في باب ما ذكر عن بني إسرائيل من كتاب الأنبياء ، ج ٤ ، ص ٢٠٧.
(٢) الزاملة : هي الملفّة ، وربما كانت حمل بعير ، وقد فسر أبو شهبة الزاملتين بحمل بعيرين. (الإسرائيليّات والموضوعات ، ص ٩٢)
(٣) سنأتي على تفسير هذا الحديث بغير ما فهمه هؤلاء.
(٤) من عدم تصديقهم ولا تكذيبهم فيما يحكونه. ذكر ذلك في ص ١٩ من رسالته.